الخارطة الوقفية الثانية2025-06-27T22:54:11+03:00

الدول الإسلامية والمجتمعات المسلمة

بإمكانك تصفح الخارطة الوقفية واضغط على خريطة الدولة والاطلاع على بيانات الدولة

الدول الإسلامية والمجتمعات المسلمة
التي حازت على الفئة الأولى

الدول الإسلامية والمجتمعات المسلمة التي حازت على الفئة الأولى

أولًا) قراءة في التجربة

تعتبر التجربة السعودية في مجال الأوقاف من التجارب المميزة في العالم الإسلامي، وذلك لعدة عوامل موضوعية يمكن إبرازها في أنها بلاد الحرمين الشريفين، وهي محط أنظار المسلمين منذ عصر الإسلام، وفيها أول وقف في الإسلام، مسجد قباء والمسجد النبوي، ومعقل أوقاف الصحابة رضي الله عنهم، وقد شهدت هذه الأرض المقدسة – بسبب مواسم الحج والعمرة – استقطاب أوقاف عديدة جاءت من الخارج أسهمت في إنشاء بنية وقفية عريقة استمرت منذ عهد الرسالة، وساهمت هذه البنية في تأسيس بيئة جاذبة لصالح الوقف داخل المجتمع السعودي. كما أن الطفرة الاقتصادية التي شهدتها المملكة منذ اكتشاف النفط، فضلًا عن الحركة العقارية النشطة التي أصابت أصول الأوقاف العقارية فأثرت إيجابًا في تنمية الأصول الوقفية، وتعظيم ريعها، وفضلًا عن اهتمام الدولة السعودية الحديثة بالأوقاف منذ تأسيسها، إذ تم تأسيس أول إدارة للأوقاف عام (1344هـ/1928م)، ثم إصدار قانون نظام مجلس الأوقاف الأعلى عام (1386هــ/1966م)، ثم اللائحة الداخلية عام (1393هـ/1973م)، وقد كانت الأوقاف ملحقة مع وزارة الحج، إلى أن تم فصلها عنها عام (1414هــ/1994م)، ليتم تسميتها بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ثم أخيرًا تم فصل ملف الأوقاف عن الوزارة، وتأسيس الهيئة العامة للأوقاف والموافقة على نظامها عام (1437هـــ./2016م). كما أن المشاركة الإيجابية لرجال وسيدات الأعمال في الإسهام في تأسيس أوقاف فردية أو عائلية ساهمت في تطور التجربة السعودية، ثم لاحقًا إنشاء لجان الأوقاف في الغرف التجارية والتي تجاوزت الـ (12) لجنة في مناطق المملكة، وتعتبر اللجان الأكثر نشاطًا لجنة الأوقاف في الرياض، والمنطقة الشرقية، ومكة المكرمة.

وتعدد المراكز الاستشارية وبيوت الخبرة في تنظيم الأوقاف في شتى مناطق المملكة، حيث تقدم خدمات فنية للواقفين الجدد، ككتابة الوثائق وتنظيم الصكوك الوقفية، وتعقد دورات تدريبية وتأهيلية لموظفي الأوقاف، هذا التعدد ساهم في تعزيز البيئة الوقفية داخل المجتمع السعودي، وساهمت أيضًا التشريعات والقوانين التي ساهمت في تطوير بنية المؤسسة الوقفية، ويسرت على الأفراد والعائلات تأسيس أوقاف خاصة بهم.

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

هناك عدة قراءات لحجم الأصول الوقفية في المملكة، ولكنها كلها تجمع على أن الأصول الوقفية الخاصة للأفراد والعائلات تتجاوز قيمة الأوقاف العامة التي تشرف عليها الهيئة العامة للأوقاف. فمن المعلوم أن حجم الأوقاف في المملكة يُعد كبيرًا ومتنوعًا؛ وبناءً على التقديرات المتوافرة فإن المجال الوقفي في المملكة في ارتفاع مطَّرد؛ لكن من الصعب تحديد حجم الأوقاف بدقة؛ وذلك لعدم وجود قاعدة بيانات يُمكن الرجوع إليها، أو تقارير رسمية تثبت حجمها، أو دراسات ميدانية توضح عددها، وهذه من التحديات التي تواجه الهيئة، فقامت مؤخرًا ببناء قواعد بيانات لأكثر من (8500) وقف، وتحديد أرصدتها، وإيراداتها، وشروط الواقفين.

وحسب تصريح للدكتور عبدالله اليحيى، الأمين العام لمجلس القضاء الأعلى سابقًا، أن قيمة أصول الأوقاف في المملكة تتجاوز 354 مليار ريال، [ يساوي 95 مليار دولار أمريكي]، منها 300 مليار ريال تخص الأوقاف الأهلية بما يقارب [ يساوي 80 مليار دولار أمريكي]، فيما تبلغ قيمة أصول الأوقاف العامة 54 مليار ريال، [يساوي 15مليار دولار أمريكي]، تُشرف الهيئة العامة للأوقاف على أعداد أعيان الأوقاف العامة المرصودة بنحو (30) ألف وقف، وفي دراسة أخرى تبحث في أصول الأوقاف في المملكة، تظهر وفق الجدول الآتي قيمة الأصول والإيرادات لعام 2020:

وتؤكد هذه الدراسة أنه يوجد في  المملكة عام 2020 أكثر من 113.000 ألف مؤسسة وقفية تبلغ قيمة أصولها الوقفية بما يقارب 235 مليار ريال سعودي، كما أن 53% من نفقات الأوقاف العامة لعام 2020 تُصرف على خدمة المشاعر المقدسة، 26% لخدمة المساجد، 9% لمواجهة جائحة كورونا، 5% لتطوير التعليم، والباقي لمصارف أخرى.

فضلًا عن أن الأوقاف الأهلية تسهم بنحو (49 %) من الموارد المالية للمؤسسات والجمعيات الخيرية في المملكة، وأن العقار يمثل ما نسبته (80 %)من الأوقاف العامة التي تشرف عليها هيئة الأوقاف، وتقدر حجم العائدات السنوية التي تحققها الأوقاف العامة بــ (325)مليون ريال سعودي، [ يساوي 87 مليون دولار أمريكي].

وتسعى الهيئة لتعزيز دور الصناديق الوقفية الاستثمارية، من خلال التعاون مع هيئة الأسواق المالية، فتم إطلاق أربعة صناديق استثمار وقفي عام (2018م) في مصرف الإنماء، وسيتم توزيع جزء من العائدات على مصارف الوقف المحددة. وتعتبر التجربة السعودية في مجال الأوقاف الخاصة من التجارب المميزة في العالم الإسلامي، فمن نماذجها القائمة وقف الملك عبد العزيز، برأسمال يقارب ملياري دولار، وهو مشروع استثماري يتكون من (7) أبراج عملاقة، على مشروع مساحته مليون و(500) ألف م2، ومخصص للصرف على الحرم المكي الشريف، وكذلك أوقاف سليمان الراجحي، التي تعتبر من أكبر الأوقاف الخاصة في العالم الإسلامي، وغيرهما الشيء الكثير.

ثالثًا) استشراف التجربة

على الرغم من تقدم التجربة السعودية في مجال الأوقاف، لا سيما الأوقاف الخاصة، إذ تعتبر من التجارب المميزة في العالم الإسلامي، وتشكل ريادة واضحة في هذا الصدد، إلا أن هناك تحديات وعوائق تواجه هذه التجربة، من أهمها عدم توثيق بعض الأوقاف، حيث إن هناك إقبالًا واضحًا من الأفراد نحو تسجيل أوقاف داخل مناطق المملكة، ولكن البيانات والمعلومات تحتاج تحديثا باستمرار، وهذا يجعل تحديات الأوقاف المتعلقة بالأنظمة واللوائح والتعليمات الأكثر حضوراً في واقع التجربة السعودية، وضعف الرقابة النظامية على بعض الأوقاف، وجهل بعض النظار بأمور الوقف، وتغير البيئة المحيطة بالوقف، بالإضافة إلى تحديات تشغيلية وهي التحديات التي يؤدي عدم التصدي لها إلى ضياع فرص تطوير قدرات الوقف. ومن المتوقع أن يتطور قطاع الوقف بمهنية واحترافية أكثر مما مضى، لا سيما وأن مؤشرات الأداء إيجابية في ظل نمو أوقاف عامة وخاصة تعمل في أكبر الأسواق العربية حجمًا، بيد أننا نتابع مدى الإنجاز الذي تتحرك به الهيئة العامة للأوقاف في إنجاز تحديث التشريعات واللوائح التي تنمو بهذا القطاع، فضلًا عن أدوات الرقابة والحوكمة، والحراك الذي تشهده لجان الأوقاف والغرف التجارية، وجدوى الشراكات التي تعقدها الأوقاف مع المؤسسات المالية المؤثرة.

 

أولًا) قراءة في التجربة

دولة الإمارات العربية المتحدة، هي دولة عربية فيدرالية تضم سبع إمارات مستقلة، تقع جنوب غربي آسيا، بمساحة (83,600) كم2، وقد مر الوقف فيها بمرحلتين:

مرحلة التشريعات والتقنين، في عام (1983م)، صدر قانون اتحادي في شأن الوقف، ثم مرحلة التشريعات المالية والإدارية، من خلال مشروع قانون عام (1984م) بشأن إنشاء الهيئة العامة للأوقاف الخيرية، وقرار وزاري بشأن النظام المالي والإداري للأوقاف في عام (1993م)، وقرار وزاري بتشكيل اللجنة العليا للأوقاف في عام (1993م)، وفي عام (1997م) صدر قانون بتنظيم إجراءات الوقف، ومشروع قرار بإنشاء الهيئة العامة للأوقاف مقترح في عام (1997). وأهم ما يميز الوقف الاتحادي هو تأسيس الهيئة العامة للأوقاف بمرسوم اتحادي رقم (29) لسنة (1999)، وهي هيئة تعنى بشؤون الوقف وتسعى إلى تنمية موارد الوقف واستثماره ضمن الأطر الشرعية الخاصة بالوقف. والذي يَهمنا هو الوقف المحلي، التابع للإمارات المختلفة كإمارة أبو ظبي، ودبي، الشارقة، عجمان، وغيرها. حيث أصدرت دولة الإمارات عام (2006م) القانون الاتحادي رقم 34 لسنة 2006 بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم (29) لسنة (1999م)، وإنشاء الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقافوالمتتبع لواقع هذه القوانين يرى أنها استفادت من التطور الاقتصادي الذي شهدته الدولة، والذي انعكس على واقع العمل الخيري والوقفي فيها.

وسوف نقصر التجربة الإماراتية على التجارب البارزة فيها، وهي تجربة إمارة دبي، والتي اتخذت اتجاه فصل ملف الوقف عن دائرة الشؤون الإسلامية، واختارت التوجه الاستثماري في التعامل مع الأملاك الوقفية. فتجربة مؤسسة الأوقاف وشؤون القُصر في إمارة دبي من التجارب المميزة في دولة الإمارات، وحققت نتائج مميزة مقارنة بعمرها القصير، وقد استفادت من الدعم الحكومي، ومن برامج التميز الحكومي والمراقبة وتطبيق مبادئ الحوكمة في أعمالها، فهي مراقبة من قبل الإدارة الحكومية.

ويعتبر الدعم الحكومي واضحًا من خلال إعفاء المؤسسة ” من كافة الرسوم والضرائب التي تترتب على معاملاتها ومشاريعها الخيرية بما في ذلك الرسوم الجمركية”، وإقرار جميع التركات التي لا وارث لها إلى أموال المؤسسة بموجب قانون ” ملكية جميع التركات الآيلة لحكومة دبي من أي جهة كانت، وللمؤسسة أن تتصرف بها بجميع أوجه التصرف بما يحقق سياستها وأهدافها في إطار الضوابط والأحكام الشرعية”.

ولقد ظهر هذا على أعمال المؤسسة، من أبرزها اعتماد منهجية الإحصاء وإثبات الأوقاف وتسجيلها كما هو في عام 2019م:

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

كباقي الدول الإسلامية  وتحديدًا الخليجية، تتنوع الأصول الوقفية في دولة الإمارات بين الأوقاف العقارية والأوقاف النقدية، ونجحت التجربة الإماراتية – خصوصًا تجربة دبي – في ترتيب أوراق الوقف بصورة شمولية بعد تأسيس المؤسسة، ونجحت في استثمار أصولها بصورة مرتبة. ففي عام 2020م قد ارتفعت الأصول إلى (717) وقفًا ليبلغ إجمالي قيمة أصول الوقف المسجلة لديها في إمارة دبي نحو (7.1) مليارات درهم، [ يساوي 1.93 مليار دولار أمريكي]، تعود إلى (442) واقفًا وواقفة، منها (2.3) مليار درهم [ يساوي 630 مليون دولار أمريكي]، أوقاف بنظارة المؤسسة، (4.8) مليار درهم [ يساوي 1.3 مليار دولار أمريكي]، أوقاف بنظارة الغير. وتبلغ قيمة (683) أصلًا عقاريًا (5.9) مليار درهم [ يساوي 1.6 مليار دولار أمريكي]، وقيمة الأصول المالية والأسهم لعدد (34) وقف مالي ما يقارب (1.2) مليار درهم [ يساوي 330 مليون دولار أمريكي] .

في حين يشكل الوقف الخيري وعدده (622) وقفًا قيمة مالية تقدر بــ (3.5) مليار درهم [ يساوي 950 مليون دولار أمريكي]، أما الوقف الذري وعدده (64) وقفًا، بقيمة مالية تقدر (2.1) مليار درهم [ يساوي 570 مليون دولار أمريكي]، والوقف المشترك وعدده (31) وقفًا، بقيمة مالية تقدر (1.5) مليار درهم [ يساوي 410 مليون دولار أمريكي] .

أما مصارف الوقف فتم تخصيص (445) وقفًا من تلك الأوقاف لشؤون المساجد، و(157) لمصرف البر والتقوى، و(59) لعوائل الواقفين، و(26) للأيتام، وتوزعت باقي الأوقاف على التعليم وأصحاب الهمم وسقيا الماء والصحة والحجاج وبناء المساجد، هذه السياسة مكنتها من اعتماد منهجية الاستدامة الوقفية كما في الشكل الآتي:

كما أنها عززت تنويع الأصول والسلات الاستثمارية، فهي تستثمر داخل دولة الإمارات بنسبة (70%)، مقابل (30%) في دول الخليج العربي، والاستثمار يكون في الأصول المتنوعة كما في الشكل الآتي :

وقد تشكلت محفظة مالية لإعمار الأوقاف المعطلة من عدة مصادر تمويل، إذ يتم تمويلها من الإدارة الوقفية بنسبة (30%)، و (70%) لصالح المصرف بحسب شرط الواقف، لتظهر الأرباح بهذه الصورة كما في الشكل التالي:

وهذا يؤكد أن الخطة الاستثمارية والمحاسبية في تطوير الأصول الوقفية كانت ناجحة، فقد بلغت المخصصات الوقفية من مصارف الوقف من عام (2017م)  إلى عام (2019م)، حسب المخطط البياني إلى  (170,580,000.00) مليون درهم [يساوي (46,403,000 دولار أمريكي) كما هو موضح في الشكل الآتي:

وكان التركيز على معايير الاستثمار ” السيولة، العائد، المخاطرة”.

ثالثًا) استشراف التجربة

تجربة دبي هي تجربة الجزء من الأصل، حيث هي تجربة إمارة من سبع إمارات، ونخص بالذكر تجارب أوقاف أبوظبي وأوقاف الشارقة، ثم صندوق الوقف في إمارة عجمان، لكن تشكل تجربة دبي تميزًا واضحًا، حيث ربطت الاستراتيجية المؤسسية بنظام الحوكمة مباشرة، وهذا ما جعلها تدخل سوق التنافس الحكومي من خلال برنامج دبي للتميز الحكومي، والتزام المؤسسة بالقانون الأساسي وتطوير اللوائح الداخلية باستمرار جعلها تطور من أصولها. كما يمكن أن يلحظ أيضًا أن القطاع الخاص في دبي تحديدًا – ودولة الإمارات عمومًا – يشارك ويلبي مبادرات الأعمال الخيرية، في إطار استراتيجيات رئيسية في العمل مثل المسؤولية الاجتماعية للشركات، وأعمال التطوع، وتعزيز دور المنظمات غير الربحية، وتطوير النظام التشريعي للعطاء، وغيرها.

وهذا ما يظهر من وجود كيانات تعمل بجانب المؤسسة الوقفية الرسمية في تعزيز مفهوم العطاء، مثل المدينة العالمية للخدمات الانسانية، وهيئة تنمية المجتمع وغيرهما.

في المحصلة، تكشف لنا تجربة دبي إنعكاسا عن تجربة باقي تجارب الإمارات السبع، حيث إنها استفادت من الاقتصاد الرقمي، وسرعت في حصر وتسجيل الأوقاف، وأخضعت نظام الوقف للحوكمة والمراقبة الحكومية، وسهلت التشريعات لكي يستفيد الوقف من حركة النهضة الاقتصادية في الدولة.

https://iiiw.org/alkharitatu-alwaqfia/bh/