أولًا) قراءة في التجربة
دولة الإمارات العربية المتحدة، هي دولة عربية فيدرالية تضم سبع إمارات مستقلة، تقع جنوب غربي آسيا، بمساحة (83,600) كم2، وقد مر الوقف فيها بمرحلتين:
مرحلة التشريعات والتقنين، في عام (1983م)، صدر قانون اتحادي في شأن الوقف، ثم مرحلة التشريعات المالية والإدارية، من خلال مشروع قانون عام (1984م) بشأن إنشاء الهيئة العامة للأوقاف الخيرية، وقرار وزاري بشأن النظام المالي والإداري للأوقاف في عام (1993م)، وقرار وزاري بتشكيل اللجنة العليا للأوقاف في عام (1993م)، وفي عام (1997م) صدر قانون بتنظيم إجراءات الوقف، ومشروع قرار بإنشاء الهيئة العامة للأوقاف مقترح في عام (1997). وأهم ما يميز الوقف الاتحادي هو تأسيس الهيئة العامة للأوقاف بمرسوم اتحادي رقم (29) لسنة (1999)، وهي هيئة تعنى بشؤون الوقف وتسعى إلى تنمية موارد الوقف واستثماره ضمن الأطر الشرعية الخاصة بالوقف. والذي يَهمنا هو الوقف المحلي، التابع للإمارات المختلفة كإمارة أبو ظبي، ودبي، الشارقة، عجمان، وغيرها. حيث أصدرت دولة الإمارات عام (2006م) القانون الاتحادي رقم 34 لسنة 2006 بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم (29) لسنة (1999م)، وإنشاء الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف. والمتتبع لواقع هذه القوانين يرى أنها استفادت من التطور الاقتصادي الذي شهدته الدولة، والذي انعكس على واقع العمل الخيري والوقفي فيها.
وسوف نقصر التجربة الإماراتية على التجارب البارزة فيها، وهي تجربة إمارة دبي، والتي اتخذت اتجاه فصل ملف الوقف عن دائرة الشؤون الإسلامية، واختارت التوجه الاستثماري في التعامل مع الأملاك الوقفية. فتجربة مؤسسة الأوقاف وشؤون القُصر في إمارة دبي من التجارب المميزة في دولة الإمارات، وحققت نتائج مميزة مقارنة بعمرها القصير، وقد استفادت من الدعم الحكومي، ومن برامج التميز الحكومي والمراقبة وتطبيق مبادئ الحوكمة في أعمالها، فهي مراقبة من قبل الإدارة الحكومية.
ويعتبر الدعم الحكومي واضحًا من خلال إعفاء المؤسسة ” من كافة الرسوم والضرائب التي تترتب على معاملاتها ومشاريعها الخيرية بما في ذلك الرسوم الجمركية”، وإقرار جميع التركات التي لا وارث لها إلى أموال المؤسسة بموجب قانون ” ملكية جميع التركات الآيلة لحكومة دبي من أي جهة كانت، وللمؤسسة أن تتصرف بها بجميع أوجه التصرف بما يحقق سياستها وأهدافها في إطار الضوابط والأحكام الشرعية”.
ولقد ظهر هذا على أعمال المؤسسة، من أبرزها اعتماد منهجية الإحصاء وإثبات الأوقاف وتسجيلها كما هو في عام 2019م:
ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية
كباقي الدول الإسلامية وتحديدًا الخليجية، تتنوع الأصول الوقفية في دولة الإمارات بين الأوقاف العقارية والأوقاف النقدية، ونجحت التجربة الإماراتية – خصوصًا تجربة دبي – في ترتيب أوراق الوقف بصورة شمولية بعد تأسيس المؤسسة، ونجحت في استثمار أصولها بصورة مرتبة. ففي عام 2020م قد ارتفعت الأصول إلى (717) وقفًا ليبلغ إجمالي قيمة أصول الوقف المسجلة لديها في إمارة دبي نحو (7.1) مليارات درهم، [ يساوي 1.93 مليار دولار أمريكي]، تعود إلى (442) واقفًا وواقفة، منها (2.3) مليار درهم [ يساوي 630 مليون دولار أمريكي]، أوقاف بنظارة المؤسسة، (4.8) مليار درهم [ يساوي 1.3 مليار دولار أمريكي]، أوقاف بنظارة الغير. وتبلغ قيمة (683) أصلًا عقاريًا (5.9) مليار درهم [ يساوي 1.6 مليار دولار أمريكي]، وقيمة الأصول المالية والأسهم لعدد (34) وقف مالي ما يقارب (1.2) مليار درهم [ يساوي 330 مليون دولار أمريكي] .
في حين يشكل الوقف الخيري وعدده (622) وقفًا قيمة مالية تقدر بــ (3.5) مليار درهم [ يساوي 950 مليون دولار أمريكي]، أما الوقف الذري وعدده (64) وقفًا، بقيمة مالية تقدر (2.1) مليار درهم [ يساوي 570 مليون دولار أمريكي]، والوقف المشترك وعدده (31) وقفًا، بقيمة مالية تقدر (1.5) مليار درهم [ يساوي 410 مليون دولار أمريكي] .
أما مصارف الوقف فتم تخصيص (445) وقفًا من تلك الأوقاف لشؤون المساجد، و(157) لمصرف البر والتقوى، و(59) لعوائل الواقفين، و(26) للأيتام، وتوزعت باقي الأوقاف على التعليم وأصحاب الهمم وسقيا الماء والصحة والحجاج وبناء المساجد، هذه السياسة مكنتها من اعتماد منهجية الاستدامة الوقفية كما في الشكل الآتي:
كما أنها عززت تنويع الأصول والسلات الاستثمارية، فهي تستثمر داخل دولة الإمارات بنسبة (70%)، مقابل (30%) في دول الخليج العربي، والاستثمار يكون في الأصول المتنوعة كما في الشكل الآتي :
وقد تشكلت محفظة مالية لإعمار الأوقاف المعطلة من عدة مصادر تمويل، إذ يتم تمويلها من الإدارة الوقفية بنسبة (30%)، و (70%) لصالح المصرف بحسب شرط الواقف، لتظهر الأرباح بهذه الصورة كما في الشكل التالي:
وهذا يؤكد أن الخطة الاستثمارية والمحاسبية في تطوير الأصول الوقفية كانت ناجحة، فقد بلغت المخصصات الوقفية من مصارف الوقف من عام (2017م) إلى عام (2019م)، حسب المخطط البياني إلى (170,580,000.00) مليون درهم [يساوي (46,403,000 دولار أمريكي) كما هو موضح في الشكل الآتي:
وكان التركيز على معايير الاستثمار ” السيولة، العائد، المخاطرة”.
ثالثًا) استشراف التجربة
تجربة دبي هي تجربة الجزء من الأصل، حيث هي تجربة إمارة من سبع إمارات، ونخص بالذكر تجارب أوقاف أبوظبي وأوقاف الشارقة، ثم صندوق الوقف في إمارة عجمان، لكن تشكل تجربة دبي تميزًا واضحًا، حيث ربطت الاستراتيجية المؤسسية بنظام الحوكمة مباشرة، وهذا ما جعلها تدخل سوق التنافس الحكومي من خلال برنامج دبي للتميز الحكومي، والتزام المؤسسة بالقانون الأساسي وتطوير اللوائح الداخلية باستمرار جعلها تطور من أصولها. كما يمكن أن يلحظ أيضًا أن القطاع الخاص في دبي تحديدًا – ودولة الإمارات عمومًا – يشارك ويلبي مبادرات الأعمال الخيرية، في إطار استراتيجيات رئيسية في العمل مثل المسؤولية الاجتماعية للشركات، وأعمال التطوع، وتعزيز دور المنظمات غير الربحية، وتطوير النظام التشريعي للعطاء، وغيرها.
وهذا ما يظهر من وجود كيانات تعمل بجانب المؤسسة الوقفية الرسمية في تعزيز مفهوم العطاء، مثل المدينة العالمية للخدمات الانسانية، وهيئة تنمية المجتمع وغيرهما.
في المحصلة، تكشف لنا تجربة دبي إنعكاسا عن تجربة باقي تجارب الإمارات السبع، حيث إنها استفادت من الاقتصاد الرقمي، وسرعت في حصر وتسجيل الأوقاف، وأخضعت نظام الوقف للحوكمة والمراقبة الحكومية، وسهلت التشريعات لكي يستفيد الوقف من حركة النهضة الاقتصادية في الدولة.