أولًا) قراءة في التجربة

انتشر الإسلام في ألبانيا مع دخول العثمانيين إليها في النصف الثاني من القرن 14 ميلادي، وبعد تقلبات سياسية في المنطقة في مارس 1923، انفصلت ألبانيا عن السلطات العثمانية، وصارت السلطات لمفتي كل مقاطعة، ومع دخول الشيوعيين إليها عام 1944م، وبعد مرسوم عام 1949م، تم تأميم جميع الممتلكات، ومنه تم الاستيلاء على أموال الأوقاف ما عدا الأوقاف الدينية، وفي عام 1967م، اعتمد ما يسمى “قانون الدولة الملحدة”، فتم حظر الدين رسميًا، وتم الاستيلاء على جميع الأوقاف الدينية كالمساجد وغيرها. حتى عام 1990م، أُلغي القانون، وصار العمل عند المسلمين استعادة بعض أملاكهم وأوقافهم الدينية[iii]، وتبلغ نسبة المسلمين اليوم في ألبانيا حوالي 68% من إجمالي عدد السكان البالغ 2.8 مليون نسمة أي أكثر من 1.9 مليون مسلم[iv].

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

شكل الوقف في ألبانيا كباقي دول البلقان ثروة اقتصادية هائلة داخل المجتمع، فكان هناك ما يقارب 1000 أصل وقفي، وفي عام 1991م، عند إعادة تنظيم واقع المسلمين كان الموجود فقط 9 مساجد للمسلمين، وصار المسلمون مطالبون بعد هذا التاريخ باسترداد أوقافهم المنهوبة والتي تم تغيير معالمها من خلال رفع دعوات قضائية لاستعادة الممتلكات.[v].

اليوم هناك حوالي 870 مسجدًا في جميع أنحاء ألبانيا، حوالي 90% منها غير قانوني، بسبب تأسيسها بدون معايير وتراخيص[vi]، كما يوجد أوقاف زراعية، و 6 مدارس ثانوية خمسة منها مختلطة وواحدة للبنات، وجامعة بدر وهي أعلى مؤسسة تعليمية للجماعة الإسلامية في ألبانيا، وفيها أول فرع للعلوم الإسلامية، وتهدف هذه الجامعة إلى توفير مستوى عال من التعليم يتلاءم مع ثقافة وتقاليد وخصائص المجتمع الألباني، كما توجد أوقاف متفرقة في المجالس البلدية، 65 من المحلات التجارية، وفندقين صغيرين و12 شقة[vii]. وتعتبر الجماعة الإسلامية في ألبانيا هي الممثل الحقيقي للمسلمين، وتشرف على أوقافهم، وهي إطار قانوني مستقل عن الدولة، وتم التوافق بينها وبين الدولة من خلال اتفاق مع مجلس الوزراء، وصدق عليه البرلمان بموجب القانون رقم 10056 والصادر بتاريخ 22 يناير 2009 . وتسعى الجماعة لتعزيز دور الوقف من خلال مشاريع استثمارية، منها مركز تسوق كبير بالشراكة مع البنك الإسلامي للتنمية، وإنشاء فنادق حلال ومساجد جديدة، وعدة مشاريع هادفة مثل العمل على إنشاء واستعمال الطاقات البديلة (المائية والشمسية)[ix]. ويواجه المسلمون اليوم صعوبة في استرداد عقاراتهم الوقفية بسبب القوانين والتشريعات التي لا تساعد في هذا الأمر.

ثالثًا) استشراف التجربة

تعاني الإدارة الوقفية كنظرائها من الإدارات الوقفية في دول البلقان، حيث من الصعوبة بمكان استرداد كامل حقوقهم في أوقافهم المنهوبة والتي تم الاعتداء عليها من قبل السلطات السابقة، والتي كرست تغيير معالم الوقف بشتى الأساليب والطرق، فصار من الصعوبة بمكان على المسلمين استردادها. ولكن مع هذه التحديات الواضحة، نشط المسلمون من جديد في إنشاء أوقاف تخصهم، واستطاعوا تفعيل العمل الخيري الوقفي، وإنشاء شراكات مع مؤسسات مالية إسلامية لتعزيز بيئة وقفية من جديد. وهذا يحتم على المسلمين في ألبانيا العمل في مختلف المستويات لا سيما السياسية والاجتماعية لاستعادة حقوقهم في أملاكهم الوقفية والتي كانت تشكل لهم ثروة مجتمعية، والضغط من جديد في سبيل إصلاح القوانين والتشريعات التي تساعد في استرداد الحقوق لأصحابها