أولًا) قراءة في التجربة
يقدر عدد سكان أستراليا في عام 2019 بحوالي 25.364.307 نسمة، وتبلغ مساحتها حوالي 7.741.220.00 كلم مربع، وعلى الرغم من وجود أقلية مسلمة فيها . ومع أن استخدام مفردة “الوقف” بدأت عمليًا في عام 2011، من خلال إنشاء مؤسسات على شكل أوقاف دينية، مسجلة ضمن قوانين الدولة. وهذا ما جعل الاجتهاد عند المسلمين يسعى لتأسيس أوقاف مع مراعاة واقع القوانين والتشريعات داخل الدولة التي لا تتحدث عن الوقف كشعيرة ونظام مؤسسة، فالأصل الشرعي أن تكون المساجد وهي أوقاف دينية مسجلة، ولكن بسبب عدم وجود قوانين حاكمة لنظام الوقف، يتم تسجيلها حسب اللوائح بموجب منظمات NFP . ويمكن أن نقول إن ربط المسلمين لمفهوم الوقف بقوانين مفهوم Trust الثقة الخيرية، يقارب روح ومعنى الوقف، مع الاحتفاظ بخصوصية الوقف كإطار شرعي وعبادة . وبدأت فكرة تأسيس المؤسسات الوقفية بأستراليا في مؤتمر نظم بجامعة نيو ساوث ويلز سنة 2011، وفي نفس السنة تم تسجيل شركة الأوقاف الأسترالية المحدودة على أساس نموذج أوقاف نيوزيلندا، وهذه الشركة سجلت كشركة تأمينات محدودة، وتم إنشاؤها من أجل دعم التربية الإسلامية -التعليم الإسلامي- في المدارس الحكومية كأحد أهدافها الرئيسة، والتعليم بشكل عام، وفي سنة 2018 كذلك تم تسجيل مؤسسة تنمية الأسرة الأسترالية .
ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية
حسب تقديرات بعض الباحثين المسلمين في أستراليا، فهناك ما يقارب مليار دولار أمريكي من قيمة المؤسسات الوقفية والخيرية والاجتماعية بمختلف أشكالها وأنواعها، ومن الصعب وجود تقدير رسمي، بسبب صعوبة الكشف عن ميزانيات هذه المؤسسات، ولعدم وجود هيكلية توصل إلى إحصاء شامل لحجم الميزانية المخصصة لكل مؤسسة على حدة، فيقدر عددها في أستراليا 80.000 منظمة خيرية . ولكن المؤسسة التي تخصصت في إدارة الأوقاف، وهذه المنظمة لها ما يقرب 12 مليون دولار، وتسعى إلى تطوير عمل الأوقاف في أستراليا . ولكن بالرجوع إلى التقرير السنوي لسنة 2019 المتعلق بشركة أوقاف أستراليا المحدودة، وتتراوح فقط الأصول النقدية للشركة 280,000 دولار أسترالي [حوالي 211 ألف دولار أمريكي] ، ضمن إجمالي الأصول :
إجمالي الأصول: إجمالي المطلوبات: صافي الأصول / الخصوم:
136,523.00دولارًا 1,091.00دولارًا 135,432.00 دولارًا استراليا
ثالثًا) استشراف التجربة
تتعرض الأوقاف في أستراليا لظروف صعبة، أهمها أن القطاع الوقفي الأسترالي يحتاج إلى قانون خاص به يضبط حقوق الملكية، أو العمل على تحسين إدارة الأوقاف لتوافق وتناسب قانون البلد . والقطاع الوقفي في أستراليا يفتقر إلى عنصر مهم، ألا وهو التخطيط الاستراتيجي البعيد من أجل المحافظة على ديمومة العمل الوقفي، فمثلا مسجد واحد في أستراليا قد يحتاج كحد أدنى إلى 250.000 دولار أسترالي سنويا [حوالي 188 ألف دولار أمريكي] لتغطية نفقات و مصاريف الموظفين. ثم هناك غياب الهيكلية التي توصل إلى إحصاء شامل لحجم أصول الأوقاف في أستراليا كمؤسسات وقفية، لأن كل مؤسسة تشتغل وتنتج لوحدها . كما يمكن القول أن التحدي الذي يواجه المسلمون في أستراليا هو تأسيس كيان قانوني للوقف كما هو معمول فيه في العالم الإسلامي، فحسب الشروط يجب الحصول على موافقة البرلمان الأسترالي على أن يكون لها شخصية اعتبارية مستقلة، وكذلك تحسين إدارة الأوقاف لتلائم القانون الأسترالي، فضلًا عن وجود الإدارة الفعالة لأصول الوقف، وتنميته بالطريقة الصحيحة . والذي يساعد على هذا المناخ، أن هناك نماذج ناجحة في مجال الاستثمارات الوقفية في أستراليا عند غير المسلمين، منها المجال التعليمي، فالجامعات الأسترالية يتم تمويلها من خلال استثمارات الصناديق والهبات الحكومية والتبرعات، وعلى سبيل المثال جامعة ملبورن التي بلغت وقفياتها حوالي مليار دولار، وكذلك جامعة أستراليا الوطنية التي تقدر وقفياتها حوالي 850 مليون دولار