جمهورية بلغاريا

أولًا) قراءة في التجربة

خضعت بلغاريا لما يقارب خمسة قرون لحكم الخلافة العثمانية[i]، ما أسهم في نقل تجربة الأوقاف لدى العثمانيين للبلغار، كالمساجد والمدارس والجسور وغيرها، وتنوعت الأوقاف حتى صارت هناك أوقاف مخصصة للحرمين الشريفين، ودام هذا الأمر حتى عام 1887م، عندما وقعت الحرب بين العثمانيين والروس، ما أدى إلى استقلال بلغاريا عن الخلافة العثمانية، والذي ساهم في التعرض للأوقاف الإسلامية كهدم الأوقاف الدينية مثل المساجد ودور القرآن، وتم تحويل العديد من الأصول الوقفية إلى أملاك الدولة، وبقي القليل من الأملاك الوقفية مع المسلمين. كما صار البلغار المسلمون يشرفون على ما تبقى من أوقاف دينية كالمساجد، بعدما تم مصادرة الكثير من الأصول الوقفية، وتم تأسيس وتنظيم الأوقاف من خلال مديرية الأوقاف حتى عام 1944م، ولكن مع هذا التأسيس كان الشيوعيون يواصلون التعرض للأوقاف ومصادرة ما تبقى منها، وإذا لم يتمكنوا من المصادرة قاموا بالهدم، واستمر هذا حتى عام 1989م مع سقوط الشيوعيين، ولكن للأسف لم يتمكن المسلمون من استرداد هذه الأصول، لأن الوثائق والتغيير الذي حدث عليها جعل من الصعب استردادها [ii]، على الرغم من وجود قانون استعادة أملاك الأوقاف الذي صدر في عام 1992، ومازال المسلمون يسعون لاستعادة أوقافهم، وحتى الآن استردوا 10% من مجموع أوقافهم[iii]. وتسعى المديرية لاسترجاع الممتلكات التي لديها وثائق إثبات الملك لــ 290 مبنى للوقف، وملكية الوثائق يحتوي على 42 ألف دونم لأراضي زراعية، وفـي مدينة سلستا كان لكل مسجد مائة دونم للوقف، وبعض المحاكم تعترف بهذه الأوقاف وأنها تابعة للمسلمين، وبعض المحاكم لا تعترف بها[iv].

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

بعد سقوط بلغاريا في يد الشيوعيين، ما زالت بعض الأوقاف في يد الدولة، مثل أوقاف مسجد حمزة بيه فـي مدينة تنزا بورة، ومسجد الفاتح فـي مدينة كستنجنين، ومسجد آخر بمدينة صوفـيا، وغير ذلك[v]. وصارت الأملاك الوقفية في بلغاريا قليلة جدًا، فهي ما بين المساجد والأوقاف المتبقية لها[vi].

أما الأوقاف العقارية، فحسب توثيق مفتي المسلمين في بلغاريا فهي تبلغ فقط 40 ألف دونم، أي تقارب قيمتها السوقية 120 مليون يورو، وهناك 1500 مسجد ومصلى، و150 دكانًا. وتقدر قيمة المباني بحوالي 50 مليون يورو[vii]. ومع هذا، فإن مديرية الأوقاف تحاول قدر الإمكان الموازنة ما بين تخريج الأئمة والخطباء من المدارس الشرعية التابعة للأوقاف، وتأسيس أوقاف لهم، أو تأجير العقارات المملوكة للمؤسسات البلغارية، وتعمل على تعزيز التعليم الديني، من خلال بناء مدارس شرعية معاصرة، كما تم بناء مدرسة ميستانلي للعلوم الإسلامية، وتدريب الأئمة في قرية أوستينا في بلوفديف من قبل مؤسسة (Hüdayi)، وإصلاح مدرسة الإمام وإعادة تشغيلها مرة أخرى، والعمل بموازاة ذلك في العثور على سندات ملكية لــ 400 مؤسسة في بلغاريا وأرشفتها.

ثالثًا) استشراف التجربة

على الرغم من خسارة المسلمين لمعظم أصولهم الوقفية، وصعوبة استردادها، فإن المتبقى أيضًا غير مجد من الناحية الاستثمارية، لأن بعضه معطل، ولم يتم استثماره، كالأوقاف السياحية والتي تحتاج لتمويل واستثمار كي تكون مدرة على احتياجات المسلمين. ومما يزيد من مشاكل الإدارة الوقفية أنها غير قادرة على سد وتغطية نفقات ورواتب الأئمة والموظفين لحوالي 850 مسجدًا من أصل 1500 مسجد ومصلى، وهذا يجعل بعض المساجد تغلق، ولا يوجد لها قيم، وهذا الأمر يشكل تحديًا لإدارة الأوقاف في معالجة الميزانيات التشغيلية[viii]. كما أن المديرية مطالبة بتعزيز التربية الدينية من خلال أوقافها الدينية، كمراكز تحفيظ القرآن، وتعليم الطلبة البلغار في الدول القريبة الدراسات الإسلامية وغيرها.

وهناك جهد واضح لدور إدارة الأوقاف في بلغاريا والمديرية العامة لأوقاف تركيا، وكذا البنك الإسلامي للتنمية والأمانة العامة للأوقاف لحصر الأوقاف في بلغاريا، والعمل على استرداد ما تم غصبه والاستيلاء عليه، ثم العمل على توثيق هذه الأوقاف و العمل على تنميتها وتطويرها، حيث تم بالفعل استعادة 93 وقفًا من أصل 300 أو 400 وقفًا حسب تقرير من البنك الإسلامي للتنمية. كما أن من الأفكار التي تعمل عليها المديرية فكرة بيع منتوجات الأراضي الزراعية للدول الإسلامية بدل تأجير هذه الأراضي، وشراء أملاك كأوقاف جديدة، ففي الميزانية سنويًا مبلغ مرصود ومخصص لشراء أملاك الأوقاف كل سنة تقريبًا، بحيث يتم شراء الأراضي والمباني وبعد ذلك يتم تأجيرها أو تشغيلها حتى ترتفع موارد الأوقاف[ix]. وأخيرًا، يمكن القول بأن جميع الفقرات السابقة توضح أن هناك جهودًا مطلوبة لاستعادة ممتلكات الأوقاف، وحسن استثمار ما هو متوفر منها، وأن تفاؤلا ولو متوسطا بخصوص التجربة الوقفية في بلغاريا، وإن كان فقط في مجال استرجاع واسترداد ممتلكاتها.