سلطنة بروناي دار السلام

أولًا) قراءة في التجربة

تزامن وجود الأوقاف في بروناي دار السلام مع دخول الإسلام في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي[i]، وكانت بداية نظام الوقف فيها مع تحرك بناء المساجد والمصليات ودور القرآن[ii]، وفي عهد السلطان محمد حسن 1582-1589م تم تأسيس قانون بروناي، وقد تم وضع قانون المجلس الديني الإسلامي والمحاكم الشرعية رقم 77 لعام 1955م، والذي تعرض جزءٌ منه لواقع إدارة ممتلكات الوقف. وفي عام 1956م، تم تأسيس (Brunei Darussalam Islamic Religious Council (MUIB))، المجلس الديني الإسلامي في بروناي دار السلام، المسؤول عن جميع أنواع الأوقاف سواء العامة أو الخاصة، وتحصيل الزكاة والإشراف على المساجد.

أما تسجيل الوقف في بروناي، فيمر بأربع مراحل، أولها إرسال استمارة أو طلب الوقف إلى المجلس الديني الإسلامي، ثم قبول الوقف، ونطق الواقف بعقد الوقف أمام القاضي، ثم نشره في صحيفة مكتب السجل العقاري، وانتهاء بتنفيذ الوقف والذي يستند إلى نوع الوقف والذي يحدده الواقف[iii]. ومن حيث طبيعة الوقف فيها، فهي تتنوع إلى[iv]: وقف عام: هو الوقف الذي لا يحدد فيه وجه الاستفادة من الوقف وطريقتها، ومن ثم فإن للمجلس مطلق الحرية في تقرير الاستخدام الملائم. أو وقف خاص: وهو وقف يحدد الواقف فيه وجه المساهمة وتوظيف الوقف على نحو خاص محدد، فعلى سبيل المثال: في حالة إذا أسهم شخص بقطعة أرض وحدد وجه الإسهام والغرض منها شخصيًا مثل بناء مسجد أو غيره. فإن هذا الوقف يسمى وقفًا خاصًا.

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

لقد استطاع المجلس الديني في بروناي (MUIB) تحقيق دخل مرتفع للمستحقين والمستفيدين من دخل ممتلكات الأوقاف، وتمكن المجلس أيضًا من استخدام التكنولوجيا من خلال الحكومة الإلكترونية، وبسط وصايته على جميع الأوقاف في الدولة، سواء كانت أوقافًا عامة أو خاصة. ويلاحظ أن مجلس (MUIB) للأوقاف، تتطور بصورة واضحة، فقد قام المجلس الديني في 4 سبتمبر 1995 بتأسيس هيئة تنمية الأصول الوقفية، لغرض استثمار الأراضي والمباني باستخدام عقد الإجارة، والاستثمار في قطاعات مختلفة مثل الإسكان ومحطات النفط والمرافق التجارية وغيرها، وفي 23 أغسطس 2001 م، تم تشكيل أول مجلس إدارة بناءً على تعيين سلطان بروناي لأعضاء مجلس الإدارة من ذوي الخبرة[v]. ويوجد 113 وقفًا خاصًا مسجلًا في بروناي، منها 74% مخصص للمساجد، كما توجد سبعة أوقاف عامة حسب إحصائيات 2010، كما أن الوقف النقدي بلغ حسب إحصائيات سنة 2010 حوالي 1,837 مليون دولار بروناي، [يساوي 1.360 مليون دولار أمريكي] [vi].

وفي طبيعة الأوقاف، يلاحظ أن الأوقاف الدينية كالمساجد هي الأكثر شيوعًا، يليها أوقاف المقابر، ثم أوقاف المدارس الدينية. ويمكن التعريف بأهم الأصول الوقفية القائمة في بروناي كنماذج وقفية، مثل المباني السكنية في حي تونكو، منطقة بروناي مورا، والتي تبلغ تكلفة بنائها 952.725.37 دولار بروناي[ يساوي 708 ألف دولار أمريكي]، وبنيت سنة 1999م، وأيضًا المحلات التجارية في حي كوتا باتو، منطقة بروناي مورا، 1994م، ويبلغ مقدار تكلفة بنائه 5.858.904.22 دولار بروناي، [ يساوي 4.2 مليون دولار أمريكي]، كمكتب لإدارة شؤون الحج وإدارة شؤون المساجد، وأيضًا المبنى السكني في حي كوتا باتو، منطقة برونواي مورا، والذي أنشأ عام 2000م، بكلفة 3.324.703.99 دولار بروناي [ يساوي 2.5 مليون دولار أمريكي]، وأيضًا المحلات التجارية في حي كوالا لوراه، التي أنشئت عام 2001م وتبلغ تكلفتها 2.943.162.67 دولار بروناي [ يساوي 2.160 مليون دولار أمريكي]، وأغلب هذا الريع، يصرف على رعاية المساجد والأيتام[vii].

ثالثًا) استشراف التجربة

تجربة بروناي دار السلام، تجربة قد تكون منفردة عن الاحتكاك مع تجارب آخرى في بيئتها – لا سيما التجربة الماليزية أو الإندونيسية – أو حتى تجارب في العالم الإسلامي، فهي تجربة مقصورة على بيتئها[viii].

كما أنها تُعاني من أن ليست كل الأوقاف فيها مسجلة تحت سلطة المجلس (MUIB) ، كما أن هناك صيغًا مالية يعتمدها المجلس لتطوير الأصول الوقفية تعتمد على صيغة الإجارة، والتشدد في استبدال العقارات الوقفية لتمسكه بآراء المذهب الشافعي.

ومن الملاحظ أن المجلس بحاجة لتسويق النموذج الوقفي الناجح بين الناس، إذ أن الاعتقاد أنه يتم تأجير عقارات الأوقاف بأقل الأسعار وبأجور منخفضة للمستأجرين، فضلًا عن مشكلة البيروقراطية الإدارية (Management Bureaucracy)- ويعني نظام إداري معقد يحوي عمليات متعددة الطبقات، – التي تؤدي إلى ضعف حركة تفاعل الجمهور مع المجلس. علمًا أن المجلس بدأ ينجح في تنمية الأصول الوقفية، لكنه يحتاج إلى تعديل بعض بنود القوانين الوقفية التي تعزز الكفاءة الاستثمارية، وتعطى صلاحيات أوسع للمجلس في تطوير الأصول الوقفية