دولة كندا

أولًا) قراءة في التجربة

استقر المسلمون في كندا منذ أواخر القرن 19م، فكان لابد لهم من القيام بشعائر دينهم، لذا اهتموا بأوقافهم الدينية من خلال بناء المساجد، ويعتبر مسجد الرشيد في مدينة إدمونتون بمقاطعة(ولاية) ألبرتا، أول مسجد في تاريخ القارة الأمريكية الشمالية، الذي أسسته الجالية الإسلامية سنة 1938م[i]، حيث كانت أول جمعية وقفية إسلامية في شمال أمريكا مقرها مدينة إدمونتون. لذا يعتبر الوقف عريقا في كندا فهو موجود منذ أكثر من 82 سنة، ومع تزايد عدد المسلمين في كندا والذي بلغ 1.5 مليون مسلم سنة 2020م[ii] من مجموع سكان بلغ حوالي 38 مليون لعام 2020م[iii]، تسارعت المؤسسات الإسلامية لبناء وتأسيس العديد من الأوقاف، ولازالت محدودة جدا، فبنيت أعداد ضخمة من المساجد، فعلى سبيل المثال: عام 1996م كان يوجد 3 مساجد فقط في مدينة إدمونتون حيث أصبح في عام 2020م يوجد 25 مسجدا[iv].

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

الأصول الوقفية في كندا هي عبارة عن (مساجد ومدارس ومعاهد قرآن ومباني سكنية ومنازل للإيجار وأيضا مقابر) إضافة إلى مراكز إيواء العجزة وحماية النساء المعنفين أسريا ومساكن لكبار السن. لا يوجد إحصاء دقيق لقيمة هذه الأصول، ولكن تقدر قيمتها السوقية بمئات الملايين. تعتبر مؤسسة الرشيد أهم مؤسسة وقفية في كندا، بل هي أكبر مؤسسة وقفية، وهي إحدى المؤسسات الوقفية الأربع الكبرى في كندا. لمؤسسة الرشيد 7 مؤسسات تابعة لها تبلغ قيمة أصولها الوقفية بين 90و100 مليون دولار أمريكي ويمثل ريعها حوالي 7 مليون دولار أمريكي سنويا. وبشكل عام ريع الوقف في كندا يبلغ بضع عشرات الملايين من الدولارات[v]. ولا يوجد قانون خاص ينظم الأوقاف في كندا. ولكن تسجل الأوقاف في كندا كأوقاف. والقوانين المنظمة للوقف في هذا البلد، هي القوانين الكندية الحكومية العاملة الشاملة، وتطبيقها دقيق جدًا وذلك لأن الرقابة الحكومية الكندية شديدة وصارمة. وتوفر الحكومة حوافز مادية مثل منح لإقامة مشاريع خيرية إضافة إلى الإعفاءات الضريبية، فحكومة الولايات في كندا نشطة جدا وداعمة دعمًا قويًّا للمؤسسات غير الربحية، التي تتمثل في منح مالية وحوافز ضريبية ومنح تقنية وإدارية، كما توجد منح مالية للمدارس الإسلامية من الحكومة بما أنها تدرس المنهج الذي تتبعه المقاطعة(الولاية) [vi]. ويمكن القول أن النماذج الوقفية في كندا هي نماذج عينية على غرار المساجد والمقابر، توجد مدارس لكافة المراحل إضافة إلى معاهد للقرآن أبرزها معهد الشاطبي لتحفيظ القرآن الذي بدأ مسيرته في تحفيظ القرآن سنة 2010م ب 17 طالبا فقط، وبحلول سنة 2017م، بلغ عدد الطلاب 500 طالبا، وبقائمة انتظار من 200 طالب، وقد جمع المعهد اليوم سمعة واسعة النطاق لكونه أفضل مؤسسة لقراءة وحفظ القرآن في كندا[vii]. كما توجد نماذج مالية تتمثل في صناديق مالية، لمنح مالية للطلبة المسلمين للدراسة في الجامعات الكندية. ويوجد أيضا مشروع كبير لمؤسسة الرشيد لإقامة عدد من الأوقاف والمشاريع الإسلامية بتكلفة 200 مليون دولار[viii]. وتعتبر أكاديمية إدمونتون الإسلامية والتي تأسست سنة 1987م ب 21 طالبا فقط[ix]، أكبر مدرسة إسلامية في أمريكا الشمالية حاليا، حيث تملك أكثر من 5 هكتارات من الأراضي، ومساحتها أكثر من 19 ألف متر مربع. تملك أكثر من 70 فصلا مجهزًا بأحدث التجهيزات والمختبرات، وتمتلك مكتبتين كبيرتين فيهما أكثر من 20 ألف كتاب.[x]

ثالثًا) استشراف التجربة

مع وجود بعض التحفيزات من الدولة، فإن هناك عدة تحديات تواجه التجربة الكندية، منها ما يتعلق بالكفاءة البشرية الإسلامية المتخصصة. فكندا تفتقر للكوادر البشرية المتخصصة في مجال الأوقاف، إضافة إلى عدم وجود نظم قانونية تخصصية في إدارة الوقف. فالتجربة الكندية في مجال الأوقاف تعتمد حاليا على المجهودات الفردية التطوعية للأشخاص وهذا لا يساعد على الابتكار وخلق مشاريع مستقبلية متنوعة، وهذا ما يفسر أن حوالي 90% من المؤسسات الوقفية في كندا هي مؤسسات صغرى ومتوسطة تفتقر إلى رؤية واضحة وتخطيط مستقبلي، حيث تعجز معظم هذه المؤسسات عن دفع رواتب مناسبة ومغرية لمكافأة الإداريين المتخصصين والاحتفاظ بهم إن وجدوا. علاوة على ذلك فإن الأوقاف في هذا البلد تعتمد اعتمادا كبيرا على التبرعات من أفراد الجالية، بدلا من إنشاء مشاريع وقفية تدر أرباحًا ودخلًا عليها، مما يسبب شحا في الموارد المالية. وهذا كله يؤدي إلى قلة المؤسسات والمشاريع الوقفية. بيد أن هناك تفاؤلًا من التجربة الوقفية الكندية حيث يحسب لهذه التجربة التعاون والتواصل بين مختلف المؤسسات الإسلامية الوقفية، كما أن بعض القائمين أو بالأحرى المتطوعين لإدارة بعض المؤسسات الوقفية في كندا يسعون لتطوير التجربة من خلال إقامة مشاريع مستقبلية وتجميع الأموال من خلال استعمال تقنية البلوكشين ولو نجحت هذه التجربة ستكون قفزة في مجال إدارة الأوقاف تحسب لهذه التجربة في دولة غير إسلامية أو ذات أقلية مسلمة