جمهورية ألمانيا
أولًا) قراءة في التجربة
يُذكر أن أول وقف ديني وهو عبارة عن مسجد كان في ألمانيا قد أقيم في مدينة شويتزنجن، وقد بُني في أواخر القرن 18 ميلادي، ويستعمل المسجد الآن كمتحف وتقام فيه صلاة العيدين ليس إلا، وبتاريخ 13 يوليو 1913م، تم إنشاء مسجد خاص للمسلمين المعتقلين أثناء الحرب العالمية الأولى (1914م-1918م) [i]. ونشط الحضور الإسلامي في ألمانيا مع عقد الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ليصبح عدد المسلمين ما يقارب خمسة مليون مسلم، ويمثل المسلمون الأتراك أغلب المسلمين في ألمانيا[ii].
ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية
ونظام الأوقاف والترست في ألمانيا كبير وضخم، ويُذكر أن هناك ما يقارب 35 ألف وقف يقدر حجم أصولها بأكثر من 200 مليار دولار أمريكي بإجمالي إيرادات وقفية وصلت إلى حوالي 15 مليار دولار أمريكي، جزء بسيط من هذه الأوقاف يتبع جمعيات خيرية مسلمة. كما أن 95% من الأوقاف في ألمانيا هي أوقاف خيرية ذات نفع عام، وتأسست أغلب الأوقاف بعد سنة 1990م، حيث شهدت الدولة نشاطًا وقفيًا منذ تلك الفترة إلى الآن، شملت جلّ المجالات؛ من استثمار في أنشطة اقتصادية وتمويل دراسات وأشغال وغيرها، ولكن مساهمة المسلمين وقفيا في المجتمع الألماني ضئيلة إلى شبه منعدمة.[iii]. وليس هناك إحصائيات موثقة عن أملاك المسلمين الوقفية في ألمانيا، ولكن الأغلب منها مسجل كأوقاف وأملاك لصالح جمعيات خيرية وخدمية على نظام [Trust] تستطيع بيعها والتصرّف فيها، وأكبر منظمة إسلامية مستقلة في ألمانيا لديها أصلان وقفيان عقاريان قيمتهما 5 ملايين يورو أو ما يوازي [= 5.8 مليون دولار أمريكي] [iv]. وفي عام 1966م كان يوجد حوالي 7 مساجد أو أوقاف دينية في ألمانيا[v]، في حين يوجد الآن أكثر من 2350 مسجد يتم إدارتها من جمعيات إسلامية مختلفة، ويدير المسلمون الأتراك خصوصًا منظمة الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية ((DITIB أكثر من 900 مسجد، وتدير الجماعة الإسلامية لميلي غروش (IGMG) حوالي 400 مسجد، بينما تدير كل من رابطة المراكز الثقافية الإسلامية VIKZ)) والمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا (ZMD) حوالي 300 مسجد لكل منهما[vi]. كما توجد حوالي 16 منظمة إسلامية أخرى بعضها يدير مساجد وبعضها لا يدير مساجد[vii]. وتجدر الإشارة هنا أن المساجد هي التي تدير رأس مالها بنفسها، أي أنّ المنظمة الإسلامية أو الجمعية الإسلامية المالكة للمسجد هي التي تدير رأس المال الإسلامي في ألمانيا، فتتصرف فيه بالشكل الذي تراه ملائما[viii]. كما تتلقى الجمعيات الإسلامية إعانات من الدولة عن الأنشطة التي تخدم الصالح العام[ix]. قانون الوقف والعمل الخيري في ألمانيا خاضع للقانون الاتحادي المدني بشكل عام، ويوجد قانون وقفي لكل ولاية، ويتم ممارسة الرقابة القانونية والمالية على الأوقاف من خلال حكومة المقاطعة، وإذا كانت المؤسسة سوف تستفيد من الإعفاء الضريبي أو لا[x]. ومن النماذج الوقفية في ألمانيا، وقف ابن سينا وهو وقف أكاديمي يقدم منحًا تعليمية للطلبة المسلمين المتميزين، كما يوجد وقف خيري إغاثي للمسلمين في ألمانيا.[xi].
ثالثًا) استشراف التجربة
على الرغم من وجود عدد كبير للمسلمين في ألمانيا، إلا أن الأوقاف الدينية هي البارزة على حساب الأوقاف الاستثمارية، فالأوقاف عمومًا لا تزال ضعيفة وغير مطورة وغير مؤثرة في المجتمع الإسلامي في ألمانيا، على الرغم من التشريعات والقوانين التي تنظم الوجود الإسلامي فيها بشكل ميسر للغاية، وقدرة المؤسسات المدنية من الاستفادة من الدعم الحكومي، فضلًا عن قدرتهم على إنشاء وقفيات استثمارية لرعاية مصالح المسلمين. كما يلحظ أن أغلب الأوقاف هي أوقاف دينية مسجلة كأملاك لصالح الجمعيات، وكل وقف ديني كمسجد أو دور قرآن تدار من قبل جمعية تتبع لجهة من المسلمين، ما يجعل التأثير محدودًا جدًا، وليس شاملًا لجميع المسلمين.
فعدم وجود مؤسسة في ألمانيا تضبط الأداء الوقفي، في مجال القوانين أو التنظيم المؤسسي يجعل العمل الوقفي فيها عفويًا ويعتمد على الأداء المؤسسي للجمعيات ليس إلا[xii]. فضلًا عن ضعف التوعية لدى المسلمين تجاه الوقف ودوره الحضاري في نهضة المجتمعات المسلمة، وكيف يُمكن مشاركة جميع أبناء المسلمين في تأسيس حالة وقفية مميزة في هذا المكان لسهولة الإجراءات القانونية والتشريعية، وتوفر البيئة الاستثمارية الخصبة