جمهورية كرواتيا
أولًا) قراءة في التجربة
دخل الإسلام إلى كرواتيا مع بدايات الفتح العثماني لمنطقة البلقان[i]، واستولى العثمانيون على أغلب مناطقها دون بعضها مثل العاصمة زغرب، التي كانت بعيدة عن سيطرة العثمانيين. وكباقي دول البلقان، عاش المسلمون فيها صعوبات بسبب التوغل الشيوعي ضد كل ما هو دين، فقد تم تدمير أكثر من 60 جامعا، فضلًا عن تغريب أبناء المسلمين باعتبارهم أقلية عن واقع وحقائق شعائرهم الدينية ومنها شعيرة الوقف[ii]. ولأن المسلمين فيها أقلية، والأوقاف التي فيها كانت على الأغلب تتبع للدولة العثمانية، فقد تبقى فيها فقط 3 مساجد، ما جعل المسلمين يعملون على إنشاء بعض المساجد، علمًا أن أول مسجد بعد انسحاب الدولة العثمانية تم تأسيسه في شرق كرواتيا في 1964م، إلى أن تعدل الوضع القانوني في كرواتيا في عام 2002م، فسمح ببناء المساجد رسميًا فيها[iii].
ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية
يوجد حاليًا (24) مسجدًا، أو وقفًا دينيًا في كرواتيا، بعدما صار اتفاق بين الجمعية الإسلامية ورئاسة الوزراء الكرواتية، من خلال قانون الجمعيات الدينية الذي ينص على أن من حق هذه الجمعيات إنشاء وإقامة دور العبادة[iv]. أما حجم الأصول الوقفية، فلم يقع حصر لجميع ممتلكات الأوقاف، ولكن حسب تقديرات الخبراء في إدارة الوقف الكرواتية فإن العقارات الوقفية التجارية التي تم تأجيرها بحوالي 20 مليون يورو [حوالي 24 مليون دولار أمريكي]، أما بالنسبة لقيمة المراكز الإسلامية فهي تقدر بــ 25 مليون يورو [حوالي 30 مليون دولار أمريكي]، وقيمة الشقق التي تم بناؤها حوالي 4 إلى 5 ملايين يورو [حوالي 4.7 إلى 6 مليون دولار أمريكي]، أما بالنسبة للواردات أو الريع من هذه الأوقاف فهو يستثمر في شراء وقف جديد. والدولة تساهم بحوالي نصف مليون دولار، والمدارس بحوالي 200 ألف دولار، لهذا تعتبر هذه التجربة تجربة مثالية في الاتحاد الأوروبي[v]. وتمكنت إدارة الأوقاف من زيادة أصول الوقف، فتم شراء 17 ألف متر مربع من الأرض في مدينة “بولا” الساحلية، قيمتها مليون ومائتي ألف يورو [حوالي مليون وأربعمائة ألف دولار أمريكي]، لبناء مركز إسلامي، وروضة للأطفال، ومتجر، ومبنى يضمّ حوالي عشرين شقة سيذهب ريعها لتنمية الجمعية الإسلامية في كرواتيا، وغيرها من المشاريع المتفرقة التي تقام من مدينة لأخرى حسب تجمع المسلمين.
ويعتمد المسلمون على تأجير بعض العقارات الوقفية لغرض تمويل المراكز الإسلامية الدعوية في المدن ذاتها، كما فعلوا في مدينة ريبكا الساحلية، بإيجار روضة الأطفال والشقق لتغطية تكاليف المركز الإسلامي في ريبكا، وأيضًا الأمر نفسه في مدينة دوبروفنيك[vi].
ثالثًا) استشراف التجربة
على الرغم من محدودية التجربة في كرواتيا، باعتبار المسلمين فيها أقلية، وأيضًا قلة أصولهم الوقفية، ثم تعرض أوقافهم الدينية لاعتداءات منذ المد الشيوعي، وانتهاء بالحروب مع الصرب، فإن المسلمين ما زالوا قادرين اليوم على إنعاش الحركة الوقفية في المجتمع المسلم. ولكنهم يواجهون عدة تحديات، أبرزها التمويل لإنشاء أوقاف دينية، وعدم قدرتهم على ترميم بعض المساجد مثل مسجد (مشتردفيتش) في العاصمة زغرب، أو إنشاء مجمع إسلامي في مدينة رييكا السياحية[vii]، وهذا يعني أن غياب الأوقاف الدينية كالمساجد والمدارس سيجعل الوقف غريبًا عن أذهان وعقول المسلمين، وهذا ما أدركته المشيخة الإسلامية، وعملها على إنشاء مراكز للدعاة وتعليم العربية لأبناء المسلمين[viii]. فهي تسعى لتأسيس أوقاف جديدة كما فعلت في مدينة بولا الساحلية، بقيمة 1.2 مليون يورو [حوالي مليون وأربعمائة ألف دولار أمريكي] لإنشاء مركز إسلامي، وغير ذلك[ix]. وأخيرًا، يمكن القول بأن إنشاء وزيادة الأوقاف الدينية تعتبر أولوية للمجتمع المسلم في كرواتيا، بعدما تعرضوا لعدة حملات أدت إلى التأثير على فعالية المجتمع المسلم فيها