جمهورية إندونيسيا

أولًا) قراءة في التجربة

تعتبر إندونيسيا من أكبر الدول الإسلامية في عدد السكان[i]، وهذا ما يجعل التجربة فيها محط الأنظار والمتابعة نظرًا لعدد السكان وللجغرافيا التي تحتلها كأكبر دولة إسلامية في شرق آسيا.

فقانون الأوقاف صدر في 22 ديسمبر 1953م من خلال مكتب الشؤون الدينية، ولكن تم تعديله بصورة نهائية ليصدر برقم 41 لعام 2004م بشأن الأوقاف، ثم حددت اللائحة الحكومية رقم 42 لعام 2006 وذلك في 15 ديسمبر 2006[ii]. هذه القوانين تؤكد على تطور الوقف من الناحية القانونية في إندونيسيا، منها القرار الحكومي رقم 28 سنة 1977م الخاص بوقف الأراضي المملوكة، ثم المرسوم الرئاسي رقم 1 سنة 1991م القسم الثالث منها متعلق بأحكام الوقف، وفي هذاالقسم ورد خمسة أبواب، ويشتمل على خمسة عشر فصلًا، بداية من الفصل 215 إلى 229. ثم القانون رقم 41 سنة 2004 الخاص بالوقف، ويعتبر هذا القانون تقدمًا ملموسًا في إدارة الوقف وتطويره واستثماره حيث اقتصر النظام السابق على وقف العقار، ويشمل القانون رقم 41 وقف العقار والمنقول، وورد فيه أن المنقول يشمل النقود والأسهم والحقوق المعنوية، كما تناول القانون طريقة استثمار أموال الوقف، كما أوضح القانون بتشكيل هيئة الأوقاف الإندونيسية[iii].

إن هيئة الأوقاف الإندونيسية الواردة في القانون رقم 41 سنة 2004م بشأن الوقف، والتي يتم تعيينهم من قبل رئيس جمهورية إندونيسيا، تعتبر هيئة مستقلة لتطوير الوقف في إندونيسيا وخاضعة للمساءلة والمحاسبة، ومدة تعيين الأعضاء ثلاث سنوات، وذلك باقتراح من الوزير إلى رئيس الجمهورية. أما مهام هيئة الأوقاف الإندونيسية، فهي تعمل على إدارة وتطوير الممتلكات الوقفية بكامل التراب الأندونيسي، وهي جهة مفوضة في الموافقة أو الإذن لتغيير وضعية أملاك الوقف، كما أنها مسؤولة عن عزل واستبدال النظار، ولها صلاحيات في الموافقة على استبدال الأوقاف، فضلًا عن تقديم الاقتراحات والتوصيات والحكم إلى الحكومة لتحسين وضع الوقف في الدولة[iv].

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

حتى شهر مارس من عام 2016م، فإن حجم الأراضي الموقوفة المسجلة لدى مديرية الأوقاف بوزارة الشؤون الدينية الإندونيسية يصل إلى حوالي 4.359 مليار متر مربع موزعة على 435.768 موقعًا[v]، وتقدر قيمتها بحوالي 155 مليون دولار أمريكي، يشرف عليها حوالي 400 ألف ناظر أغلبهم أفراد، والباقي منظمات ومؤسسات قانونية[vi]، ومن حيث التسجيل والتوثيق، فإن 60% منها مسجلة بحجج وقفية، وتقع 10 %من هذه الأراضي في المناطق الحضرية، بينما 90% منها في الأرياف، وتتمثل هذه الأراضي الوقفية منازل للكراء، وفنادق، حدائق تذكارية، وبيوت صغيرة[vii].

ومع صدور فتوى مجلس العلماء الإندونيسي (MUI) بشأن الوقف النقدي، فتم تأسيس العديد منها في الأرياف قيمتها أكثر من 391 مليار روبية إندونيسية [ تساوي= 27,858 مليون دولار أمريكي] تدار من خلال هيئة الأوقاف الإندونيسية وذلك في عام 2020م، ويوجد حوالي 23 مؤسسة مالية لجمع الوقف النقدي في عموم أنحاء إندونيسيا، وحسب الجدول التالي، فإن هناك توجهًا واضحًا لدى المتبرعين في دعم الوقف النقدي، وهذا ما ظهر جليًا خلال الأعوام الثلاثة الماضية[viii]:

المجموع بالروبية الإندونيسية السنة
199.1 2017
65.6 2018
69.8 2019
58.6 الربع الأول من عام 2020
391.1 مليار روبية إجمالي الوقف النقدي

أي أن إجمالي الوقف النقدي يتعاظم في المجتمع الإندونيسي على الرغم من جائحة كورنا، فبلغ مجموعه 391 مليار روبية إندونيسية [ تساوي= 27,858 مليون دولار أمريكي]. ومن النماذج الوقفية في إندونيسيا المتميزة مستشفى وقفي لأحد العائلات يقدر قيمته بــ 760,877 ألف دولار أمريكي، كوقف للفقراء[ix].

ثالثًا) استشراف التجربة

هناك عدة تحديات تواجه التجربة الإندونيسية، منها ما يتعلق في المجال الإعلامي والتوعية الشعبية، فإندونيسيا من أكبر الدول الإسلامية سكانًا، ولكن على سبيل المثال، فإن الوقف النقدي لا يتجاوز 27 مليون دولار أمريكي وهذا الرقم لا يعكس الإمكانيات الكبيرة في الدولة، فضلًا عن أن أغلبية المسلمين في إندونيسيا غالبًا ما يحصرون أوقافهم في المساجد والمقابر والمدارس الدينية. كما أن التجربة بحاجة إلى تعديلات دائمة في سن القوانين والتشريعات، خصوصًا مع تطور التكنولوجيا ودخولها في عالم صناعة الوقف، لا سيما في المجال المالي[x].

ولعل الصناعة المالية الإسلامية في إندونيسيا ما زالت ضعيفة، وقدرتها على تطوير ممتلكات الأوقاف تتحرك بضعف، ما يجعل من الأهمية بمكان توفر إرادة سياسية داعمة لتطوير الصناعة المالية الإسلامية، كي تنعكس إيجابًا على واقع استثمار وتنمية الأصول الوقفية