جمهورية الهند:

أولًا) قراءة في التجربة

دخل نظام الوقف الإسلامي إلى دولة الهند بدخول الإسلام فيها[i]، ويعود تقريبًا إلى ثمانمائة عام مضت، حيت تم تحبيس الكثير من أصول الوقف بأشكال كثيرة[ii]. وقطاع الأوقاف في بلاد الهند نظمه صدور عدة قوانين لتنظيم شؤونه خاصة في الفترة ما بين 1913 ــ 1954م، والتي كان لها بعد ذلك دور في الوصول إلى قانون جامع وموحد لجميع قضايا الوقف[iii]، وهو قانون إدارة المؤسسات الدينية الخاصة بالمسلمين. وفي عام 1954م استبدلت جل هذه القوانين التي كانت قبل الاستقلال بقانون موحد لإدارة الأوقاف، ليتم بعد ذلك تطبيقه على مستوى مقاطعات الهند باستثناء غرب البنغال، وأوتابراديش، ومهراشترا، والقانون لم يتم تطبيقه على مستوى الهند ككل إلا أنه يعتبر محاولة لتوحيد الإطار القانوني لإدارة الوقف.، وقد تم تأسيس المجلس المركزي لإدارة الأوقاف في عام 1964م، حيث يشرف على جميع الأوقاف في الهند. وبعد تطبيق هذا القانون برزت فيه ثغرات عدة مما استلزم إجراء تعديلات في السنوات ما بين 1959م و1984م، ثم في عام 1995م صدر قانون الأوقاف المعدل، والذي استطاعت الهند صياغته بشكل ممتاز، يضاهي بذلك جل قوانين الأوقاف في العالم الإسلامي[iv]. وقانون الأوقاف لعام 1995م يحتوي على عدة مميزات تميزه عن جل القوانين التي كانت قبل استقلال الهند، وهي على الشكل الآتي:

  1. يعتبر قانون عام 1995م من القوانين المطبقة على معظم الأوقاف الموجودة في جميع الولايات، وبذلك يلغي جميع القوانين المنفردة لكل ولاية[v]، ومن خلاله حاولت الحكومة إيجاد مساواة بين إدارة هيئات الأوقاف[vi].
  2. إن قانون عام 1995م يخول الرئيس التنفيذي لمجلس الأوقاف صلاحية ضبط وردع المتعدين على الأوقاف، ومن امتيازاته كذلك أنه لم يحدد مدة زمنية لرفع القضايا التي تتعلق باستعادة الأوقاف المتعدى عليها من طرف الغير، كما أنه وضع ضوابط صارمة على تصرفات المتولين من بيع ورهن للممتلكات الوقفية، وغير ذلك من المميزات[vii]، ورغم هذه الامتيازات الموجودة في القانون 1995م، إلا أنه تشوبه نقائص عديدة، لذلك تم تعديله سنة 2013 م[viii]، حيث قام المجلس المركزي لإدارة الأوقاف بصلاحيات واسعة لتوحيد مجالس الوقف في الولايات الهندية وعددها 28 ولاية.

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

إن التفكير في تطوير واستثمار ممتلكات الأوقاف، لم تكن فكرة شائعة في دولة الهند إلا في عام 1973م من خلال السيد حسن الدين أحمد ياس، الموظف المكلف بقسم الوقف في حكومة الهند، والذي حاول صياغة جدول لمنح قروض من أجل تطوير الممتلكات الوقفية المدنية، وبعد ذلك قام المجلس المركزي بتبني هذا الجدول والعمل عليه، ثم اقترح السيد حسن كذلك إنشاء مؤسسة لتطوير الوقف في كل ولاية من ولايات الهند باستثناء ولايتي كارناتاكا وأوتار براديش[ix].

وهناك عدة قراءات لحجم الأصول الوقفية في الهند، ولكنها توحي إلى انخفاض في عدد هذه الأصول، بسبب عدة تحديات وعوائق واجهتها منها ما يتعلق بالاستثمار. وقد بلغت العقارات الوقفية المسجلة في البلد في عام 2005م حوالي 490.000 عقار، وتغطي أملاك الأوقاف في الهند مساحة إجمالية تزيد عن 600 ألف فدان وتقدر قيمتها الدفترية ب 60 مليار هندي روبية، وهذه القيمة تزيد عن 830 مليون دولار أمريكي، أما بالنسبة لإيرادات جميع هذه الممتلكات الوقفية تبلغ 1.63 مليار روبية هندية سنويًا يعني تقريبا 21 مليون دولار أمريكي[x]. وفي عام 2007م لم يتغير العدد الإجمالي للعقارات الوقفية في الهند بشكل كبير، حيت بلغت حوالي 490.021 عقار، منها 5 % (أي حوالي 24500) فقط هي المناسبة للتطوير والاستثمار[xi].

أما في الوقت الحالي فقد بلغت العقارات الوقفية حوالي 300.000 عقار ما بين مساجد وأراض ومقابر، وبلغت عوائدها حوالي 100 مليون دولار أمريكي، 6 % منها يعتبر كإسهام لمجلس الأوقاف. والمتأمل لهذه البيانات والإحصائيات، يستنتج أن عدد العقارات الوقفية في الهند منخفض، وهذا كله راجع إلى عدم وجود تمويل كاف لاستثمار وتنمية هذه الممتلكات، إضافة إلى تدني قيمة هذه الأراضي، لكن بمجرد أن يتم استثمارها بالشكل الصحيح قد يتضاعف سعرها وترتفع قيمتها، ويكون العائد منها 100% [xii].

وتعمل الحكومة المركزية على مشروع تنمية الأوقاف الإسلامية الحضرية، والذي خصصت له منح منذ 1974م إلى 2020م، وعمل المجلس من خلالها على تقديم قروض صغيرة لمجالس الأوقاف الإقليمية والمنشآت الوقفية المنفردة، وبلغت المشروعات التي تم إنماء أملاكها بهذا الأسلوب حوالي 154 مشروعًا وافق عليها المجلس وحكومة الهند، ومن بين هذه المشاريع البالغ عددها 154 مشروعًا، تم الانتهاء من 88 مشروعًا وهي قيد التنفيذ. ويسدد القرض عادة لمجلس الوقف المركزي من قبل المؤسسات المقترضة على 16 قسطًا نصف سنوي مع تأجيل لمدة سنة واحدة بعد دفع القسط النهائي للقرض، كما يفترض على المقترض أن يدفع التكلفة الإدارية للمجلس المركزي بنسبة 8% من مبلغ القرض، وقام المجلس بإنجاز عدة مشاريع وقفية بلغت 158 مشروعا[xiii].

ثالثًا) استشراف التجربة

واجهت الأوقاف في الهند ظروفًا صعبة، أبرزها غياب الحصر الدقيق والتقدير الحقيقي للأراضي الوقفية، بحيث يتم تأجيرها بمبالغ زهيدة تعود إلى ما قبل استقلال البلاد، وعلى سبيل المثال أنه في العاصمة دلهي يتم تأجير الأراضي الوقفية للمنشآت الحكومية بمبلغ هزيل يقدر ب 10 سنتات للمتر الواحد، بينما تصل قيمته الحقيقية إلى ألف دولار. كما أن نقص البيانات والسجلات الوقفية يسهل ضياع هذه الأصول الكبيرة للأوقاف، فضلًا عن ذلك كله عدم وجود إدارات استثمار مميزة يمكن من خلالها تطوير هذه الأصول[xiv]. كما تواجه الأقلية المسلمة في الهند تعديات مستمرة من بعض متطرفي الهندوس على ممتلكاتهم وعقاراتهم وأوقافهم لا سيما الأوقاف الدينية كالمساجد ودور القرآن، فضلًا عن الاستيلاء عليها بقوة سياسة الأمر الواقع، فقد جاء في التقرير التاسع للجنة البرلمانية المشتركة أنه تم احتلال حوالي 70% إلى 80% من الأوقاف بشكل غير قانوني، وحاليًا في ولاية دلهي لوحدها أكثر من 30% من حوالي 2000 من الأوقاف تستخدم بشكل غير قانوني من طرف الوكالات الحكومية، ما يشكل تحديًا وعقبة واضحة في تطوير المسلمين لأوقافهم، لكن إذا تم إقرار مشروع قانون “إخلاء الاحتلال غير المصرح به” لعام 2014م، فمن المتوقع أنه سيساعد بشكل كبير في إزالة التعديات[xv].  وتعاني أيضًا المجالس الوقفية من ضعف الموارد المالية، بحيت تتلقى سنويًا مساهمات ومنح لا تتجاوز 7%، وهذه المساهمات فقط من طرف النظار والمتولين الذين لا يتجاوز دخلهم السنوي خمسة آلاف روبية، مما يصعب على المجالس دفع رواتب وأجور الموظفين، وهذا كله راجع إلى ضعف تطوير واستثمار الممتلكات الوقفية بالصيغ المناسبة والمدرة للدخل، وحاليا تعرف حكومات الولايات بأن تطوير الأملاك الوقفية في الهند بعيد المنال، لذلك قامت بعض حكومات الولايات بتقديم منح ومساهمات لمجالس أوقافها[xvi].

ولتجاوز هذه الصعوبات لابد أن يتم تقليل السيطرة الحكومية على إدارة الأوقاف، والعمل على حصر جل الممتلكات الوقفية في الهند، وتعيين إدارة تستطيع النهوض بالقطاع الوقفي في الدولة[xvii]، وخاصة استثمار الأعيان الوقفية مع توفير التمويل اللازم لها.