) دولة الكويت

أولًا) قراءة في التجربة

تعتبر الأوقاف في الكويت[i] ” قديمة قدم البلد ذاته”[ii]، وبشائرها بدأت منذ تأسيس أوقاف للمدرسة المباركية ما بين عام (1911) حتى عام (1936)، وكانت الأوقاف غالبًا ما تدار من قبل الأهالي حتى عام (1946)، بعد تصدير أول شحنة للنفط، ما أدى إلى ارتفاع العقارات، فتم استحداث دائرة حكومية لحفظ العقارات الوقفية، وتم تأسيس أول دائرة وقفية في (1 يناير 1949) للاهتمام بهذه العقارات ومنها المساجد، وتم إصدار أول قانون للوقف عام (1951)، لغرض إعطاء حماية قانونية لهذه الأصول، إلى أن تحولت الدوائر إلى وزارات حكومية في عام (1962)، وتم إضافة الشؤون الإسلامية لتصبح لاحقًا باسم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في عام (1965)[iii]. الحدث الكبير في قطاع الأوقاف بالكويت حدث مع تأسيس الأمانة العامة للأوقاف إذ تم القرار الأميري الصادر في (13نوفمبر 1993م) بإنشائها، وهذا هو الشكل الثالث من أشكال التطور، بعد عام (1949)، وعام (1962)، ولعله الأهم محليًا وعالميًا، حيث إن تأسيس هذه المؤسسة كان له الأثر الواضح على تطور الوقف ليس في الكويت فحسب، وإنما كان له ارتدادات إيجابية على ملف الوقف في العالم. وقد تم اختيار الأمانة العامة للأوقاف الشخصية الإدارية المتميزة لعام (1996)[iv].

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

على الرغم من توثيق التجربة الوقفية بالكويت على أنها قديمة منذ عام (1911)، إلا أن سجل توثيق وأرشفة الأوقاف المسجلة بوزارة العدل تم ضبطه منذ عام (1977)، حيث يتبين لنا الفترة الأكثر ريادة هي من عام (1993-1999) حيث تم تسجيل (220) وقفًا، لكن لاحقها فترة الرسوخ الوقفي وهي من الفترة (2000-2005) حيث تم تسجيل (330) وقفًا[v]. وكان للأمانة العامة دور واضح في الاستثمارات داخل وخارج الكويت، منها الإسهام في قطاع البنوك داخل دولة الكويت وذلك عن طريق المساهمة في بيت التمويل الكويتي سواء في رأس مال البنك أو من خلال دعم الأنشطة الاستثمارية، والمشاركة في بنوك ومصارف خارج الكويت كبنك فيصل الإسلامي في السودان، وبنك الميزان الإسلامي في باكستان، وبنك بنغلاديش الإسلامي، وبنك البحرين الإسلامي، فضلًا عن المساهمة في صندوق ممتلكات الأوقاف التابع للبنك، وتمويل مشاريع مع البنك الإسلامي للتنمية، وكان الهدف توظيف رؤوس الأموال الوقفية، والعمل على تنوع الاستثمارات والقطاعات، والسياسات التي تتبعها الأمانة البحث في وضع الأولويات (Set Priority)، وتوزيع الأصول (Asset Allocation)، والوقوف على مستوى الأداء (Benchmarking)[vi].

وما يمكن أن يُحسب للتجربة الكويتية ابتكارها لتجربة الصناديق الوقفية[vii]، وهي صيغة مؤسسية استحدثت لتسهم في تحقيق أهداف إحياء سنة الوقف وزيادة الأوقاف الجديدة لعدة أغراض، بالتعاون مع شركائها من خلال إطلاق عشر صناديق وقفية تنموية داخل الكويت عام (1997)، واعتماد مبادئ الحوكمة والشفافية في أعمالها[viii]، ونجاحها في تقديم نموذج تنموي اجتماعي متضافر، ما جعل الآخرين من الدول يتبعونها في تجربة الصناديق. فقد أسست الأمانة عدة صناديق، منها صندوق القرآن الكريم، والصندوق الوقفي للتنمية العلمية الاجتماعية، الذي أسهم بنسبة (41 %) من قيمة المشاريع الموقوفة من قبل الأمانة، كبناء (41) مدرسة خارج الكويت بقيمة (13,247) مليون دولار تقريبًا، بالإضافة لرعاية (86) طالب وطالبة في الدراسات العليا في (18) دولة متخصصين في الكتابة حول الأوقاف، وأيضًا الصندوق الوقفي للتنمية الصحية، إذ غطى (28 %) من إجمالي قيمة المشاريع الموقوفة من قبل الأمانة خلال السنوات الثلاث الأخيرة (2017-2019) ومن هذه المشاريع مصرف خاص بمرضى التوحد وآخر للمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك الصندوق الوقفي للدعوة والإغاثة، إذ يعمل في المجال الإغاثي، فقد حبس ما نسبته (31 %) من إجمالي الأوقاف خلال الفترة المذكورة، وهي (29) مشروعًا حول العالم بما يعادل (16,725) مليون دولار تقريبًا. ومن المشاريع التي نفذتها الأمانة من خلال صيغة الصناديق الوقفية، مركز التوحد، مركز صدى لتعليم النطق لحديثي السمع – بعد العملية الجراحية لزرع قوقعة الأُذن- مشروع طالب العلم، مشروع وقف الوقت، مركز الرؤية، مركز إصلاح ذات البين، مركز الاستماع، مشروع سبيل المياه، مشروع من كسب يدي – للمطلقات والأرامل، – مشروع إفطار الصائم، مشروع الإطعام طوال العام، مشروع الكسوة للأُسر المحتاجة، مشروع دعم أئمة ومؤذني المساجد – وغيرها من المشاريع. وبلغ إجمالي الإيرادات المحققة من استثمارات الأصول الوقفية (40) مليون دينار كويتي [حوالي 133 مليون دولار أمريكي] لعام 2020، متمثلة فيما يقارب (54 %) إيرادات استثمار عقاري وما يقارب (46 %) إيرادات استثمارات مالية. أما القيمة السوقية للأصول المستثمرة ارتفعت بنسبة ما يقارب (191 %) وبلغت قيمة الأرباح غير المحققة ما يقارب 834 مليون دينار كويتي (حوالي 2,769 مليار دولار أمريكي)[ix]:

ثالثًا) استشراف التجربة

لقد تحول العمل الوقفي في الكويت إلى عمل مؤسسي في صورة مبكرة، فقد بدأت الأوقاف في الكويت من خلال الأفراد والعائلات، لكن سرعان ما توثقت التجربة من خلال العمل المؤسسي اللاحق لتشكل الدولة، وخصوصًا في عقد الريادة الوقفية (1993-1999)، إذ تم ملاحظة تحول الأوقاف إلى أعمال مؤسسات وجمعيات النفع العام، مثل جمعية الإصلاح، وجمعية إحياء التراث، وجمعية العون المباشر، وجمعية الهلال الأحمر، ليعزز الأثر الإيجابي من عمل الأمانة العامة على توجهات جمعيات النفع العام في الكويت. وقد تم رصد توجه آخر تمثل في الجمعيات الخيرية التي بدأت تحول جزءًا من التبرعات والصدقات إلى أصول وقفية مدرة على مصارفها، وهذا التوجه تم رصده لاحقًا في عدة دول خليجية ترنو إلى الاستدامة المالية في مصارفها ومشاريعها. وعلى الرغم من أن الأمانة العامة للأوقاف مكلفة في إدارة أصولها وريعها، إلا أنها أيضًا كانت هي الدولة المنسقة للوقف في العالم الإسلامي منذ عام (1996)، وهذا ما جعلها تعمل على مسارين متوازيين، الأداء الداخلي للتجربة، وأيضًا الأداء الخارجي من خلال قيادة التنسيق بين دول العالم الإسلامي لتطوير ملف الوقف، وهذا الجهد يعبر عن القيادية الكفؤة التي حملتها الأمانة خلال السنوات الماضية. بل يمكن القول إن عمل الأمانة في تنسيق ملف الأوقاف عالميًا أعطاها دفعة قوية لتطوير ملفها الداخلي، خصوصًا وأنها تحظى بدعم حكومي مميز في دفع الرواتب والميزانيات التشغيلية للأمانة، وأيضًا التشريعات والقوانين كلها تصب في خدمة أعمالها، يتوازى هذا مع سلطة ومراقبة قضائية ومرجعية شرعية تدقق ضمن تنظيم مبادئ الحوكمة الداخلية، وخطتها الاستراتيجية. أيضًا يلحظ أن التجربة الكويتية في ملف إدارة أصولها، استفادت من القدرة والكفاءة الاستثمارية، وثقة المجتمع في أعمالها ومصارفها، وحسن السمعة المؤسسية التي تجاوزت حدود دولة الكويت، وجعلت الأمانة عاملاً رئيسيًا في تطوير ملف الأوقاف من خلال مشاريعها ومنتوجاتها وتحركها المؤثر في نقل التجارب الناجحة بين الدول، ومن بينها تجربة الأمانة.