) المملكة المغربية

أولًا) قراءة في التجربة

تجربة الوقف في المغرب هي تجربة قرون طويلة[i]؛ لأنها ترجع إلى بداية الفتح الإسلامي لبلاد المغرب العربي، حيث أسس عقبة بن نافع مسجدًا بدرعة وآخر بسوس، وبنى موسى بن نصير مسجدًا في قبيلة بني حسان[ii].

ويمكن تقسيم التطور التاريخي للأوقاف في المغرب إلى عدة مراحل؛ نوجزها في ما يلي[iii]:

المرحلة الأولى: تبدأ من الفتح الإسلامي إلى غاية احتلال المغرب سنة 1912م، أدت الأوقاف في هذه المرحلة خدمات جليلة واضطلعت بأدوار كبيرة، وكانت الأوقاف تأخذ شكل الوقف العام، والوقف المُعقب[iv]، والوقف المشترك. وتميزت الأوقاف المغربية في هذه الفترة بالسعة والشمول والتنوع.

المرحلة الثانية: وهي مرحلة الانكماش والانحسار؛ وتبدأ بعد توقيع الحماية الفرنسية على المغرب بتاريخ 30 مارس 1912م، حيث التزمت فرنسا بموجب هذه الاتفاقية بعدم التعرض والمساس بالأوقاف، إلّا أنها خالفت ذلك من خلال إقناعها المغاربة بقدرتها على المساعدة في إعادة تنظيم مؤسسة الوقف.

المرحلة الثالثة: وهي مرحلة التجديد والاستمرار، وتبدأ من حصول المغرب على استقلاله سنة 1956م إلى غاية الوقت الحاضر، والتي حاولت من خلالها الإدارة المغربية تجاوز الإشكالات التي ورثتها عن الاستعمار الفرنسي في مجال الأوقاف. وقد عرفت الأوقاف في المغرب تطورا مهما في العصر الحاضر، وخاصة بعد صدور مدونة الأوقاف المغربية في: 23 فبراير 2010م، والتي دخلت حيز التنفيذ بتاريخ: 23 سبتمبر 2013م. وهذا يكشف لنا بوضوح أن إدارة الأوقاف في المغرب مرت بعدة تطورات رئيسية لتنظيم شؤون الإشراف على الوقف وتشريعاته وقوانينه[v].

وقد دعمت المدونة أعمال الوزارة التي تشرف على الأوقاف العمومية من خلال عدة ظهائر عديدة لتنظيم الأوقاف واستثمارها، أهمها الظهير الصادر في 1331هــ/1913م، الذي يتعلق بكراء الأراضي الفلاحية، وكراء الأراضي الخالية، وتنظيم المعاوضة النقدية للأملاك الحبسية، وبيع منتوجات الأوقاف الفلاحية ثم صرف عائدات الأوقاف. كما صدر ظهير عام 1336هـ/1918مـ في ضبط الأوقاف المعقبة، وكل هذا من أجل تحقيق إستراتيجية الوزارة في المحافظة على الأصول الوقفية، وتحقيق نسبة نمو مرتفع في الأصول والريع، فضلًا عن توعية المجتمع بأهمية الوقف[vi]. وامتازت التجربة المغربية بإصدار قانون يراعي ضخامة الأصول الوقفية، ويسهل إجراءات عملها، فصدرت مدونة الأوقاف بتاريخ 23 فبراير 2010م، ثم عدلت في مارس 2019م، وتم وضع جهاز رقابي يراقب ويشرف على الأداء التنفيذي من خلال ما يعرف بــ المجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة، وتم صدور القرار في 9 أغسطس 2011م، ثم تعديله في مارس 2019م، وتم تثبيته في المادة 157 من مدونة الأوقاف. هذا الانسجام ما بين الذراع التنفيذي والذراع الإشرافي والرقابي عزز نظام الحوكمة في حماية الأوقاف بالمغرب[vii]، من خلال تشكيل لجنة مشتركة من الإدارة التنفيذية ممثلة في وزير الأوقاف – كمتولي – ورئيس المجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة لمتابعة تنفيذ هذه الإستراتيجية كناظر لها.

وعمل المجلس الأعلى كناظر يمارس سياسات الإشراف والرقابة من خلال إعداد التنظيم المالي والمحاسبي المتعلق بالميزانية، ومصنفة المساطر المحاسبية، والنظام الخاص بالصفقات، وإعداد تقرير سنوي بنتائجه يرفع إلى الملك، وتقديم الاقتراحات لتحسين أساليب تدبير الأوقاف، والحفاظ عليها وتنمية مداخيلها[viii].

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

تعتبر التجربة الوقفية المغربية من التجارب المميزة في شمال أفريقيا، وذلك لاعتمادها على عدة مرتكزات جعلت منها تجربة مميزة؛ من ذلك عراقة الأصول الوقفية وتاريخها الممتد لعشرات القرون، ثم الاهتمام الحكومي والتفاعل الاجتماعي مع نظام الوقف ما عزز تنمية الممتلكات الوقفية، فضلًا عن التقنين القانوني لهذه الأصول، وتنظيمه في مدونة حازت على سد احتياج هذا القطاع[ix]. والميزانية السنوية الخاصة بالأوقاف هي مستقلة عن الميزانية العامة للدولة، أو عدم اختلاط الأموال الوقفية بأموال الدولة، أو تمييز الوقف العام عن المال العام[x]. وتقدم نفقاتها على شكل برامج ومشاريع وعمليات، وهي ميزانية مراقبة من قبل المجلس الأعلى من حيث عدم مخالفة بنودها لأحكام الشريعة، ولأصول النظام المحاسبي، ومنسجمة كليًا مع مبادئ الحوكمة هذا الأمر ساعد في تطوير الأصول والاستثمار من خلال الأداة الحكومية المتمثل في وزارة الأوقاف، ويمكن حصر هذا بالآتي:

1) الأملاك الفلاحية، وتقدر قيمتها بما لا يقل عن (12) مليار درهم، أي (1.2) مليار دولار أمريكي، وبدخل سنوي يصل إلى 100 مليون درهم، أي 10 مليون دولار أمريكي، بمعنى 0.8% من القيمة التقديرية لهذه الأصول، وعدد قطع الأراضي الزراعية تصل إلى 166 ألف قطعة، بمساحة تقدر 85 ألف هكتار، وعدد الأشجار الفلاحية تصل إلى 2.7 مليون شجرة، ثلها مغروسة من قبل الإدارة الوقفية، أي 1.7 مليون شجرة مثمرة[xi].

2) الأملاك الحضرية، وهذا النوع الثاني من الأصول، إذ تقدر قيمتها بما لا يقل عن (10) مليار درهم، أي مليار دولار أمريكي، وبدخل سنوي يصل إلى 400 مليون درهم، أي 40 مليون دولار أمريكي، بمعنى 4% من القيمة التقديرية لهذه الأصول، ويصل عدد الأملاك الوقفية إلى حوالي 57 ألف ملك، منها 28 ألف ملك تجاري وصناعي، وحوالي 15 ألف سكن، وحوالي 14 ألف ملك متنوع، كما هو موضح في الشكل الآتي[xii]:

وحسب أرقام عام 2019م الصادرة عن وزارة الأوقاف، يظهر لنا للأوقاف دور في إعادة تفعيل المباني المهدومة أو تجهيز مقرات أو إنشاء مؤسسات جديدة كما في الجدول التالي[xiii]:

النسبة المئوية  % مجموع الأداءات المالية بالردهم برسم 2019 المبالغ المؤادة من طرف نظارات الأوقاف بالدرهم المبالغ المؤادة مركزيا بالرهم برامج الميزانية 
80 75.232.227,86 67.601.800,58 7.630.427,28 الأملاك ذات العائد
5 4.973.121,65 3.402.901,57 1.570.220,08 المؤسسات الاجتماعية والدينية والثقافية
10 9.814.639,18 169.601,23 9.645.037,95 تأهيل الممتلكات الوقفية وهدم وتدعيم المباني المهددة بالسقوط
2 1.651.055,59 623558,81 1.027.369,78 مساهمة الأوقاف في بناء وتجهيز المقرات الإدارية
3 2.604.447,24 1.282.049,78 1.322.397,46 الاعلانات والتراخيص المتعلقة بإنجاز المشاريع الاستثمارية الوقفية والرابط بشبكات الماء والكهرباء والتطهير
100 94.275.491,52 73.080.011,97 21.195.479,55 المجموع

 

3) الأوقاف الدينية والتراثية

فالأوقاف الدينية كالمساجد تزيد عدد عن 50000 مسجد، والزوايا يقدر عددها 5038 زاوية، والأضرحة 1476 ضريح، والكتاتيب القرآنية 6311، والمدارس الحبسية حوالي 137 مدرسة، أما الأوقاف ذات الطابع الثقافي والاجتماعي فتتمثل في متحفتين، وتسعة خزانات، والمارستان[xiv].

وهذا ما يجعلنا نقول إن التجربة المغربية غنية ومشبعة بأوقافها، ونماذجها الوقفية متعددة وكثيرة، فلقد أنجزت الوزارة خلال سنة 2019م العديد من الدراسات المعمارية والتقنية التي ترمي إلى تنفيذ مشاريع استثمارية جديدة، كما عملت على تقوية وتدعيم أو إعادة بناء العديد من الأملاك بالمدن العتيقة، وإصلاح عدد من الأملاك الوقفية، منها ما يندرج ضمن الإصلاحات والترميمات الكبرى، ومنها ما يندرج ضمن الصيانة الاعتيادية للمباني. كما قامت بتتبع وإعطاء الانطلاقة لمجموعة من مشاريع بناء مركبات دينية وثقافية وإدارية بعدة مدن بالمملكة. منها على سبيل المثال لا الحصر[xv]: تهيئة العمارة الحبسية الكائنة بالمحيط بالرباط بتكلفة قدرها: 282.108,00 درهم مغربي [حوالي 25 ألف دولار أمريكي]، وتجزئة أرض سيدي مكدول2 بالصويرة بتكلفة قدرها: 2.400.176,06 درهم مغربي [حوالي 270 ألف دولار أمريكي]، ومشروع بناء إقامة سكنية بحي القدس بالرشيدية بتكلفة قدرها: 508.200,06 درهم [حوالي 57 ألف دولار أمريكي]، هذا بالإضافة إلى إنشاء العديد من المشاريع الوقفية على غرار: عمارة مكاتب من 05 طوابق بحي المحيط بالرباط، عمارة سكنية وتجارية بحي القبيبات بالرباط، البرج السكني والتجاري للأوقاف بالدار البيضاء، متحف التراث الديني بنصالح بمراكش، مركب تجاري بطنجة، المركب التجاري التاج بوجدة.

ثالثًا) استشراف التجربة

لا شك أن التجربة المغربية تعتبر رائدة في أفريقيا، إذ استثمرت في الأصول الكبيرة كما استثمرت في التراث الفقهي المالكي الذي عزز تعظيم المصلحة في واقع هذه الأصول، واستفادت من الأنظمة الحديثة في تطوير الإدارة والاستثمار كنظام الحوكمة للمحافظة على الأصول الوقفية، وجعلت هذا قانونًا وتشريعًا تلتزم به الدولة.

وهذا ما تحقق من خلال المدونة المغربية، وظهر هذا جليًا في الهيكل التنظيمي، بوجود مصلحة خاصة للمحافظة على الأملاك، ومصلحة أخرى للمعاملات العقارية، فضلًا عن مصلحة الأحباس المعقبة[xvi].

بيد أن ما يميز التجربة المغربية أنها ربطت الأوقاف كمؤسسة مباشرة برأس الهرم في الدولة، من خلال إيكال المرجعية للأوقاف إلى الملك نفسه، فقد نصت المدونة في مادتها الثانية على أنه: ” يعتبر النظر في شؤون الأوقاف العامة من صلاحيات جلالتنا الشريفة بصفتنا أميرًا للمؤمنين، ويقوم بهذه المهمة تحت سلطتنا المباشرة وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية، في إطار التقيد بأحكام هذه المدونة، والنصوص المتخذة لتطبيقها”[xvii]. وهذا النظر جعل للوقف دورًا هامًا بالمجتمع، وحصانة ورعاية أسهمت في تنظيمه وتقنينه واستثماره بطرق فاعلة، فضلًا عن حماية أصوله. ومن مقومات قدرة النظام الوقفي قوة الرقابة عليه[xviii]، ولا شك أن الأداء الرقابي على الأوقاف المغربية شكل تطورًا واضحًا على حسن الأداء[xix]، خصوصًا أن هذه الرقابة تنوعت ماليًا وإداريًا ضمن قواعد المسؤولية التأديبية أو المدنية أو الجنائية كما تنص المادة 156[xx]. ومع وجود نقاط القوة هذه التي حازتها المملكة المغربية في إدارة الأوقاف وتنمية أصوله، إلا أنها أيضًا تواجه تحديات كعدم وجود إحصائيات دقيقة للأوقاف، واحتياجها إلى تطوير الكفاءة الاستثمارية، وهيمنة الملف الديني الشعائري على ملف استقلالية الوقف وكفاءة استثماراته، وهذا ما يجعلنا نرى بأهمية الاستفادة من الإدارة المؤسساتية بدل إطار الإدارة الحكومية، وفتح المجال للنظارة الخاصة تحت رقابة الدولة.

ولكن عمليًا التوجه القائم في المغرب أنه يمكن للإدارة الوقفية التغلب على هذه التحديات من خلال نقاط القوة المرصودة في ذاتها، فعراقة التجربة الوقفية متأصلة في المجتمع المغربي منذ تأسيس جامع القرويين بمدينة فاس عام (263ه/877م)، واعتماد خطة إستراتيجية بإحصاء وحصر الأملاك الوقفية بقرار حكومي، وتعديلات مدونة الأوقاف التي تعمل دومًا نحو تطوير المصالح الوقفية في البلاد يجعل من الممكن أن يتم تطوير شكل وإطار الإدارة الوقفية تبعًا للمصالح الوقفية في المغرب

[1]  لمزيد من المعلومات، يمكن الرجوع إلى: التقرير الإستراتيجي للأوقاف 2022-2023م، (المعهد الدولي للوقف الإسلامي، ط1، 2024م).

[i] عاصمتها مدينة الرباط، وتبلغ مساحتها 712.550كم2، في حين بلغ عدد سكانها سنة 2019 ما يقارب: 36.471.769 نسمة. أنظر: منظمة التعاون الإسلامي (مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية)، إحصاءات منشورة على موقع: [https://www.sesric.org/cif-ar.php?c_code=36]، تاريخ الاطلاع 19 ديسمبر 2020.

[ii]  وكذلك فعل طارق بن زياد حينما أسس مسجد الشرفاء وهو المعروف عند الناس بمسجد طارق بن زياد، ثم تتابع الفاتحون الأولون ومن جاء بعدهم على نفس النسق، حيث تزايد عدد الأوقاف وتنوعها مع تعاقب الدول التي حكمت المغرب؛ بدءًا بالأدارسة فالمرابطين، ثم الموحدين ثم المرينيين ثم الوسطانيين ثم السعديين. انظر: عمر أبو دهب، الوقف وأثره في تحقيق التنمية، (المغرب، مجلة منازعات الأعمال، العدد 33، تموز 2018م)، ص 82، الدرويش عبد العزيز، التجربة الوقفية بالمملكة المغربية، ضمن كتاب نظام الوقف في التطبيق المعاصر، ص107.

[iii]  عبد الرزاق اصبيحي، التجربة الوقفية المغربية، ( المعهد الدولي للوقف الإسلامي، بتاريخ: 17 يونيو 2020م)، شاهد اليوتيوب

[https://www.youtube.com/watch?v=rtPvEgA9ZB4&ab_channel=InternationalInstituteofIslamicWaqf%28IIIW%29].

[iv] الوقف المعقب: هو مصطلح معروف عند سكان المملكة المغربية، ويثقصد به الوقف الأهلى أو الذري.

[v]  من حيث القواعد المنظمة: خضعت الأوقاف في المرحلة الأولى لأحكام الفقه الإسلامي، وخاصة الفقه المالكي باعتباره فقه أهل البلد. أمّا في مرحلة الانكماش والانحسار فنجد صدور العديد من القوانين المنظمة للأوقاف؛ حيث بلغت 15 ظهيرا ملكيا (صدرت جلها خلال الفترة الممتدة من 1912 إلى غاية 1920)، وتتعلق أساسا بكيفية كراء الأملاك الوقفية وبيع غلتها ومعاوضتها، وما بقي من أحكام الوقف فظلّ يخضع لأحكام الفقه الإسلامي، أما خلال الفترة الأخيرة فقد شهدت صدور مدونة الأوقاف في 23 فبراير 2010، والتي دخلت حيّز التنفيذ بتاريخ 23 سبتمبر 2013، ليتمّ تعديلها في مارس 2019. أما من حيث الجهة المشرفة: كانت الأوقاف خلال الفترة الأولى تخضع للإدارة الفردية أو العائلية تحت إشراف القضاء، ولم تكن الدولة تتدخل في الوقف إلّا إذا تخلى الواقف عن شرط النظارة على وقفه بنفسه أو بواسطة غيره. ومنذ بسط الحماية الفرنسية على المغرب تمّ وضع الأوقاف تحت إشراف السلطان ليتم استحداث إدارة مركزية لدار المخزن سُميت بــ“بنيقة الأحباس”، أما على المستوى المحلي فكانت هناك نظارات للأوقاف ويُسيرها النظار وحدهم، في حين أن المرحلة الثالثة ظلّت الأوقاف تحت الإشراف الأعلى للسلطان، لتصبح ابتداء من 1961 تحمل اسم وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، ليتغير اسمها ابتداء من تاريخ 12 أبريل 1976 إلى اسم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وبتاريخ 04 سبتمبر 2003 صدر ظهير ملكي يتضمن فصل إدارة الأوقاف عن إدارة الشأن الديني على المستوى المحلي، وكذا استحداث منصب مراقب مالي في كل نظارة من نظارات الأوقاف يختص بالمحاسبة والمراقبة. أما من حيث جهة الرقابة: كانت الأوقاف في الفترة الأولى خاضعة لرقابة القضاة، والتي كانت تمس الجانب الإداري والمحاسبي، أما في المرحلة الثانية فقد استحدثت السلطات الفرنسية إلى جانب بنيقة الأحباس قسما يدعى مراقبة الأحباس تابع لسلطات الحماية هذا على المستوى المركزي؛ أما على المستوى المحلى فكانت تصرفات الناظر تخضع لرقابة مراقب حبسي تابع لقسم مراقبة الأحباس، بالإضافة إلى استحداث مجلس أعلى للأحباس والذي تمّ الاستغناء عنه بعد دورتين من انعقاده. أما في مرحلة التحديد والاستمرار فقد تمّ استحداث: جهاز المراقبين الماليين، جهاز للرقابة الخارجية على مالية الأوقاف والمتمثل في المجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة. أما من حيث المصارف الوقفية: وقد تنوعت المصارف الوقفية في المغرب بتغير الظروف المحيطة بها؛ فنجد مثلا المصارف خلال المرحلة الأولى كانت تتجه إلى تغطية الحاجيات الاجتماعية،كأوقاف المارستانات، وغيرها، أمّا خلال المرحلة الثانية فقد حاولت السلطات الاستعمارية تقليص نفوذ المؤسسة الوقفية وتحجيم أدوارها بذريعة أن العديد من المصارف الوقفية ليست من مسؤوليتها، وإنما هي من مسؤولية الدولة، وبذلك أحدثت تغييرات جوهرية على نظام الوقف في المغرب، بل واستعملت العقارات الحبسية في سياستها التعميرية في العديد من المدن المغربية من خلال نزع ملكية العديد من العقارات الوقفية أو معاوضتها أو كرائها لمدد طويلة للمعمرين الأجانب، في حين أنه خلال مرحلة التجديد والاستمرار، نجد أن أدوار المؤسسة الوقفية قد عادت إلى سابق نشاطها الذي عرفته قبل الحماية الفرنسية، حيث أصبحت المصارف الوقفية تشمل تأمين إقامة الشعائر الدينية، الصرف على التعليم، المكتبات، الصحة، وغيرها من الأنشطة ذات النفع العام. انظر بتوسع: لمياء فاتي: قراءة في النظام الوقفي المغربي “الواقع والآفاق”، بحث غير منشور، ص04، عبد الرزاق اصبيحي: التجربة الوقفية المغربية، مرجع سابق، محمد المكي الناصري: الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، 1992م-1412ه، ص17، عمر أبو دهب: الوقف وأثره في تحقيق التنمية، المرجع السابق، ص 83. عبد الرزاق اصبيحي: التجربة الوقفية المغربية، محمد المكي الناصري: الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية، المرجع السابق، ص17، ماجدة مدوخ وسعاد بن مسعود، الإجارة سبيل رائد لاستثمار الوقف الفلاحي في المملكة المغربية، (الأردن، مجلة رماح للبحوث والدراسات، العدد34، أغسطس 2019م)، ص273.