أولًا) قراءة في التجربة
استقلت جمهورية الجبل الأسود [i] في عام 2006 عن طريق الاستفتاء خلال الفترة الاشتراكية[ii]، وفي العهد العثماني كان يوجد فقط في محافظة وبلدة أولسين ULCINI[iii]، تقريبا سبع تكايا ودار إفتاء ومدرسة إسلامية وحوالي 20 مسجدا، والآن فيها 26 مسجدا، غير أن الدولة العثمانية لم تجد مقاومة كبيرة لفرض سيطرتها بشكل كامل على الجبل الأسود (عام 1481)[iv]. والجبل الأسود كباقي دول البلقان، تعرض للاعتداءات من قبل الشيوعيين ولاحقًا الاستيلاء على أوقافها أو هدمها، فلما ترك العثمانيون البلقان كان فيها ما يقرب من 135 مسجدًا، تم الاعتداء عليها، وحول بعضها لأغراض أخرى مثل مسارح وفنادق، وتم إغلاق العديد منها في العاصمة بودغوريتسا، أو المدن الأخرى كأولشان، وروجابي، وبيلافيا، وإيفانجراد، وتيتوجراد، وبودجوريكا؛ ثم في عقد التسعينات، كان للصرب دور أيضًا في ممارسة الضغط على الجبل الأسود، إلى أن انتهت الحرب وتمكن المسلمون من ممارسة شعائرهم وفتح بعض المساجد بلغت 35 مسجدًا، والعمل على ترميم ما استطاعوا إليه سبيلا[v].
وتعرضت أوقاف الجبل الأسود للمصادرة والاستيلاء بسبب حكم الشيوعيين، ولكن ما زال المسلمون راغبين في الحفاظ على أصولهم الدينية والثقافية، فتأسست الجمعية الإسلامية في الجبل الأسود في عام 1994، وهي المسؤولة عن المسلمين فيها، كما ورد في الفصل الأول من دستور الجمعية الإسلامية ما يلي: “الجمعية الإسلامية في الجبل الأسود هي الجمعية الدينية الموحدة التي تتكون من كل المنتمين إلى الدين الإسلامي في الجبل الأسود، وكذلك كل مواطني الجبل الأسود الذين يعيشون خارج حدود الوطن”[vi]. وبدأ العمل في العقدين الأخيرين في تشييد وترميم حوالي 40 مسجدًا، ثم بناء المدرسة الإسلامية في العاصمة بودغوريتسا عام 2008[vii]. وتعد المشيخة الإسلامية في جمهورية “الجبل الأسود” هي الجهة الرسمية الوحيدة التي تدِير الأمور الدينية للمسلمين، ولديها 13 مجلسا في مختلف المدن في الدولة، ويقع مقرها الرئيسي في العاصمة “بودغوريتسا”، ولديها قانون ولائحة تُنَظم عمل المشيخة منذ عام 1944م، ويتم انتخاب الرئيس مِن خلال المجلس الأعلى للمشيخة، الذي يضم 20 عضوا، ويختار بدوره مجلسا تنفيذيا مكونا من 8 أعضاء[viii].
ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية
تقوم المشيخة بالعمل على الاهتمام بالأوقاف الدينية خصوصًا المساجد، لوجود نقص واضح لتلبية الاحتياجات الروحية للمسلمين فيها، فهي تعمل على تشغيل 100 مسجد، ولديها فقط 70 إماما، وهذا يشير إلى قلة المتخصصين في العلوم الشرعية، وهذا ما يعكس اهتمام المشيخة ببعث الطلبة لمتابعة دراساتهم الشرعية في عدة دول عربية وإسلامية. والمشيخة الإسلامية في الجبل الأسود، هي الجهة المكلفة بالإشراف على قضايا المسلمين، ومن بينها الأوقاف، ولاعتبار أنها لا تحصل على أي دعم حكومي، فهي تسعى لتغطية نفقاتها التشيغيلية من خلال التبرعات والصدقات، وهذا ما يجعل حركتها ضعيفة في النهوض في واقع الأوقاف، ولا شك أن الأصول الوقفية تحتاج لميزانية تشيغيلية كبيرة ما يصعب عليهم النهوض بهذا القطاع كما كان، لكن تعمل قدر الإمكان على بناء المساجد والمدارس والمراكز الإسلامية، وتأهيل الكوادر العلمية[ix]. وحاليًا، وحسب تقديرات المسؤولين في المشيخة، تبلغ أملاك الأوقاف في الجبل الأسود حوالي 3 مليون يورو [حوالي 3.5 مليون دولار أمريكي] بما فيها الممتلكات النقدية و الزراعية[x].
ثالثًا) استشراف التجربة
ظهر جليًا أن العوائق والتحديات التي تواجه التجربة كثيرة، فهي تجربة عاشت مرحلة الاستئصال الشيوعي لكل ما هو متعلق بشعائر المسلمين، لا سيما أوقافهم الدينية، ثم لما قام المسلمون بتنظيم أمورهم بعد سقوط الشيوعيين، بدأت الحرب والتي أثرت أيضًا على ضياع بعض هذه الأصول. وهذا يجعلنا نلاحظ أن المشيخة الإسلامية في الجبل الأسود تعاني من عدم سن قانون إعادة الممتلكات المؤممة والمصادرة؛ إذ لا يوجد قانون يعيد ممتلكات الأوقاف، مع أنه تمت المطالبة به، وكذلك عدم قدرتها على الاستفادة من الموارد المالية التي يتم تحصيلها من الأوقاف، بل يتم مراقبتها وحمايتها فقط، فضلًا عن ذلك كله، فإن نسبة كبيرة من ممتلكات الوقف غير مهيأة للاستثمار[xi]. ومع هذا، فإن المشيخة تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى إنشاء مشاريع وقفية على قدر استطاعتها، فأنشأت المدرسة الإسلامية الأولى في الجبل الأسود، وهي مركز إسلامي لخدمة المسلمين في شتى المجالات، وتبلُغ مساحتها 15 ألف م2، وافتتحت المدرسة الثانوية الإسلامية في العاصمة بودغوريتسا، فيدرس الطلاب المسلمون فيها ولهم القدرة على الدراسة داخل البلاد، أو متابعة دراساتهم في الجامعات الإسلامية[xii].
وأظهرت البيانات السابقة، أن مستقبل أوقاف الجبل الأسود رهين بتوفير الظروف الملائمة للمشيخة الإسلامية من قبيل الميزانية التشغيلية.