نيجيريا

أولًا) قراءة في التجربة

دخل الوقف إلى نيجيريا بدخول الإسلام إلى دويلاتها عام 1860[i]، ومعظم هذه الدويلات أراض وقفية، حيت اهتمت بإنشاء مساجد ومدارس وغير ذلك، غير أن جل هذه الأوقاف تم طمسها ولا أثر لها الآن، وما وجد منها هو على دفة المتاحف[ii]. وفي عهد الاستعمار عام 1862م، تدخل الاستعمار البريطاني في شؤون الدين والأوقاف بشيء من العدوان إلى درجة منعهم الزكاة والصدقات، وبعد الاستعمار ظهرت مؤسسات وجمعيات خيرية للدعوة وإدارة وتنظيم أمور المسلمين ورعاية الأوقاف في نيجيريا، والآن مضى عليها أكثر من نصف قرن. وأول جمعية تم تأسيسها على يد زعماء المسلمين من بلاد يروبا في الجنوب عام 1923م، تحت اسم “أنصار الدين”، وبعد ذلك تم تأسيس جمعية “زمرة الإسلام” عام 1926، وجمعية “نور الدين” عام 1934، وأخيرا جمعية “أنصار الإسلام” عام 1945[iii]. وجميع هذه المؤسسات والجمعيات الخيرية ساهمت بشكل كبير في تنمية وتمويل العديد من الولايات في نيجيريا، أهمها ولاية أويو، وزمفارا، وكانو، وسوكوتو[iv]. مع ذلك فإن الحكومة في نيجيريا لم تتحمل أي مسؤولية تجاه الأوقاف قبل عام 2003، ولم تقم بإنشاء وزارة للشؤون الدينية ولا لشؤون الأوقاف، علاوة على غياب مصطلح الأوقاف من الدستور النيجيري، كما أنه لا يوجد قانون خاص بإدارة الأوقاف، بل يتم الاقتباس فقط من دستور الدولة بطريقة غير مباشرة، ثم بعد ذلك قامت كل ولاية بالاعتماد على أحكام الشريعة الإسلامية[v].

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

وقد قامت المؤسسات والجمعيات الخيرية على إنشاء ممتلكات وأصول وقفية كثيرة جدا، في شمال البلاد وجنوبها، وهي على وجه العموم نوعان عقارات ومنقولات، وتتنوع الأوقاف العقارية ما بين مساجد ومعاهد ومدارس ومقابر وأراض وغير ذلك، أما الأوقاف المنقولة فهي تتنوع ما بين سيارات ودراجات نارية ونقود. ويقدر عدد الأوقاف العقارية العامة في نيجيريا بحوالي 5 ملايين دولار أمريكي، في حين تبلغ الأوقاف المنقولة العامة حوالي مليون دولار أمريكي، ويصل ريعها إلى حوالي 350 ألف دولار، أما الأوقاف النقدية العامة فتبلغ تقريبا 2.3 مليون دولار أمريكي، ويشكل ريعها حوالي 300 ألف دولار [vi].

و تبلغ الأوقاف العقارية الخاصة تقريبا 3 ملايين دولار أمريكي، والأوقاف المنقولة الخاصة حوالي مليون دولار أمريكي ويصل ريعها إلى 350 ألف دولار، والأوقاف النقدية الخاصة تقدر بحوالي 1.3 مليون دولار أمريكي وريعها يبلغ 170 ألف دولار[vii]. وتمتلك نيجيريا مساجد تقدر بحوالي 599 مسجدًا، والأراضي الزراعية تقريبا 253 هكتار، والمدارس والمعاهد تقريبا 76 معهدًا للدراسات الإسلامية والعربية، وغير ذلك من الأصول الوقفية. كما أنها تتوفر على ما لا يقل عن 80 مليون نايرا من الأشجار الموقوفة [= 200000 دولار أمريكي]، وعندها أكبر مزرعة تمور [= 3000 شتلة تمر][viii]. والمتأمل لهذه البيانات الإحصائية، يستنتج أن معظم الأصول الوقفية في نيجيريا هي عبارة عن أوقاف عقارية من مساجد وأراض زراعية ومراكز إسلامية.

ومن النماذج القائمة حتى الآن، مدرسة وقفية للدعوة الإسلامية والتي تأسست في عام 1974م، وقام بتمويلها الشيخ المرحوم الحاج بللو علي أديلاني، لتعليم أبناء المسلمين في نيجيريا الأدب الإسلامي، وكذلك كلية الإمام مالك للشريعة والقانون، والتي أسست في عام 2000م، من طرف أسرة من المملكة العربية السعودية يطلق عليها اسم “أهل الثنيان”، وكانت الجهة الممولة للكلية من دولة قطر[ix].

ثالثًا) استشراف التجربة

تعاني المؤسسات والجمعيات الوقفية في نيجيريا من عدة مشاكل، أبرزها قلة وعي المجتمع بأهمية الأوقاف، فضلا عن أن الحكومة لم تقدم أي إعانة للمؤسسات الوقفية، ثم قلة المجالات والصيغ الاستثمارية، وقلة المتخصصين بقطاع الأوقاف. ويعتبر دمج مؤسسة الزكاة مع الأوقاف في وعاء واحد، من أبرز التحديات التي تواجه أوقاف نيجيريا، لذلك عليهم العمل على التفريق بينهما، وتأسيس إدارة خاصة بالأوقاف مستقلة تماما عن الزكاة[x].

وفي الختام، يمكن القول بأن هناك تقدمًا وتطورًا كبيرًا في التجربة الوقفية في نيجيريا، حيت اتضح من خلال المعطيات السابقة، أن هناك فرقًا كبيرًا بين ما كانت عليه الأوقاف في الماضي وما عليها الآن، إلا أنه يلاحظ عليها إهمالها للأوقاف التجارية، مع أنها مهمة جدا لبيان القطاع الوقفي على أرض الواقع