الجمهورية الفلبينية
أولًا) قراءة في التجربة
مارس المسلمون الأوائل نظام الأوقاف منذ جاء الإسلام إلى الفلبين[i]، وعلى الرغم من أن المسلمين لم يفهموا تمامًا المفهوم الديني للعطاء والوقف، إلا أنه كان من ضمن ثقافتهم تكريس ممتلكاتهم لأغراض دينية مثل بناء المساجد والمدراس وغيرها من المنشأت الدينية[ii]. وتقدّم الأوقاف في هذه الأشكال المتعددة الأبعاد، فوائد دينية واجتماعية واقتصادية للأقلية المسلمة قد لا تقدمها الحكومة للأقلية المسلمة، وكانت في الماضي مصدر التمويل الوحيد لكل من المدرسين والعلماء من خلال توفير سبل رزق آمنة لهم، ومنحهم حرية المشاركة في البحوث وإنتاج علمي كبير أسهم في تطوير الأنشطة الثقافية والعلمية الإسلامية في الفلبين[iii]، وتشتهر مدينة ماراوي بأنها “المدينة الإسلامية” في الفلبين بسبب وجود العديد من المؤسسات الدينية والمساجد فيها، فعلى سبيل المثال، جمعية الفلبين الإسلامية (JPI) التي أسست من قبل أسرة بارزة بغرض إدارة الأوقاف الأسرية، حيث تم تأسيس معهد مراوي الإسلامي بتمويل من المملكة العربية السعودية والبنك الإسلامي للتنمية، وأوقاف أخرى كثيرة[iv].
ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية
عمليًا كانت الأوقاف في الفلبين تنظم بصورة فردية وعشوائية، حيث أن القوانين واللوائح المنظمة للوقف كانت منضبطة في قوانين تعتمدها الدولة، لكن الدولة رفضت إدراج الفصل المقترح حول الوقف، والذي ينص على إنشاء صندوق الوقف الإسلامي لغرض جمع التبرعات التي يقدمها المسلمون لاستخدامها في بناء وإصلاح المساجد والمقابر الإسلامية، والتي تُعفى من ضرائب الدخل والهدايا، وقد أدى هذا إلى العديد من الصعوبات الإجرائية في فتح الحسابات والإيداع لهذه التبرعات، إلى أن تم التوقيع على قانون الإسلام بمرسوم رئاسي عام رقم 1083 في عام 1977[v]. وإن كان الوقف يتوزع في الفلبين على الأغلب إلى الوقف الخيري، ويصرف على المساجد والمحتاجين والمستشفيات والمدارس، أو الوقف الأهلي أو الذري، – وهو الأقل، – وهذا ما يجعل التجربة الفلبينية تنتشر بين المسلمين، لكن لم تتمكن الجهة المشرفة على شؤون المسلمين من ضبط الوقف كما هو الحال في الدول المجاورة كماليزيا وبروناي وإندونيسيا. كما أن ذلك جعل هذه التجربة تُعاني من فقدان العديد من السجلات الوقفية، وعدم القدرة على حصر الأصول الوقفية، فضلًا عن اختصاص الأفراد كنظار بالوقف مباشرة، ما جعل السلطة المركزية ضعيفة في الحفاظ على كامل الأوقاف للأقلية المسلمة.
وقد ظهر هذا جليًا بعد تعرض العديد من الأوقاف للاعتداء، خصوصًا أن هناك ما يقارب 75٪ من ممتلكات الأوقاف قد تضررت بشكل كلي وجزئي خلال حصار ماراوي (Marawi)، وهي غالبًا أوقاف دينية كمساجد ومدارس ديينة تعرضت للاعتداء[vi].
ثالثًا) استشراف التجربة
إن التجربة الفلبينية تجربة تمثل انعكاسًا لمعاناة أقلية مسلمة في دولة غير مسلمة، إلا أن هناك التزام واضح بنظام الوقف خصوصًا بعدما تم فتح المجال للمصرفية الإسلامية بالعمل في الفلبين، وهذا الأمر قد يعزز من توجه المؤسسات الوقفية نحو مزيد من تنمية أصولهم الوقفية، على الرغم من أن التجربة الوقفية تُعاني من ضعف التوعية تجاه مفهوم الوقف، وقلة التسويق للمنتوجات الوقفية، فضلًا عن ضياع العديد من الأصول الوقفية، بسبب عدم القدرة على حصر الأوقاف، وعدم الإشراف على كامل الأصول الوقفية، بل وضياع بعض الأوقاف بسبب استيلاء الحكومة على بعض العقارات الوقفية، أو إساءة استخدامها من قبل بعض النظار[vii].
ومن الملاحظ أن الإدارة الوقفية المركزية تُعاني من عدم القدرة على الإشراف على جميع الأصول الوقفية، بسبب غياب القوانين والتشريعات الداعمة، أو عدم وجود نظام موحد لإدارة وتطوير الوقف بين جميع الوقفيات المنتشرة بين المسلمين، فضلًا عن ذلك كله، صعوبة توفر التمويل لإعمار الأوقاف التي تعرضت للاعتداءات. ولمواجهة هذه التحديات فإن تطوير العمل المؤسسي الخاص بالوقف بين المسلمين يعتبر حاجة ملحة وضرورية، لحصر أصولهم والحفاظ عليها من خلال قاعدة بيانات متطورة، وإعادة تفعيلها بما يضمن تنمية حقيقية للأوقاف لخدمة المجتمع الفلبيني