جمهورية باكستان الإسلامية
أولًا) قراءة في التجربة
انتشر الإسلام فيها مع دخول محمد بن القاسم فاتح السند فيها عام 92هــ/711م[i]، أي منذ العصر الأموي، وعمليًا تأسست باكستان كجمهورية إسلامية، واستقلت عن الهند في 14 أغسطس 1947م على يد مؤسسها وزعيمها محمد علي جناح. إن الأوقاف في باكستان لها خصوصية واضحة بعد انفصال باكستان عن الهند، ما استلزم العمل على تنظيم الأوقاف العامة بشكل منظم بسبب وجود عدة جهات تدير أوقافًا، فتم وضع قوانين كي يتم الضبط والإشراف من خلال السلطة التي تدير الأوقاف العامة، ولم يطرأ أي تغيير جوهري في تنظيم قطاع الأوقاف في باكستان إلا بعد التغيير في نظام الحكم في أكتوبر 1958م بقيادة أيوب خان، حيث تم إصدار قانون للممتلكات الوقفية في عام 1959م، وقانون لقواعد ممتلكات الوقف في غرب باكستان لعام 1960م[ii].
وتتوفر في كل مقاطعة أو ولاية في باكستان قوانين خاصة بالوقف، نذكر على سبيل المثال مقاطعة البنجاب لها ثلاثة قوانين أولها قانون الأملاك الوقفية لعام 1979م، ثم قانون المزارات الإسلامية لعام 1942، وقانون البنجاب للقرآن الكريم لعام 2011م، ولمقاطعة السند أيضًا قانونها الخاص بالأوقاف لعام 1979م، وكذلك لمقاطعة كشمير لعام 1960م، ولإقليم إسلام آباد قانون خاص بمراقبة الأوقاف الفيدرالية عام 1976م، ومشروع قانون مقترح لعام 202ً0م[iii]. وعملت الدولة على تقليص دور نظار الأوقاف الخاصة وتنظيم الأوقاف تحت جهازها مباشرة، وكان الدافع من وراء هذه السياسة هو أن بعض المقامات أو الأضرحة يتم استغلالها من قبل مسؤوليها، لذلك تولت الدولة السيطرة عليها، وقامت باستبدال سلطة الولي أو صاحب الضريح بسلطة مدير الأوقاف. وهذه السياسة تتوافق مع الأهداف الاجتماعية والاقتصادية للدولة، بحيث فرضت سلطتها الكلية على جميع الأوقاف لا سيما الدينية، ما سهل لها التحكم لاحقًا في الموارد المالية للأوقاف[iv].
ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية
بالنظر إلى الإطار التنظيمي الصارم للأوقاف في باكستان، فقد تم حصر الأوقاف في المؤسسات الدينية فقط مثل المساجد والمقابر والأضرحة[v]. وللأسف لا يوجد في دولة باكستان اليوم إحصائية كاملة وشاملة لحجم ممتلكاتها الوقفية، وتم تفويض الولايات الباكستانية بحصر ممتلكات الأوقاف، فعلى سبيل المثال البنجاب تقدر أراضيها ب 74.964 فدان، وتتوزع إلى أراضي قابلة للزراعة بحوالي 29.907 فدان، وأراضي غير قابلة للزراعة بحوالي 45.057 فدان. وتبلغ مساحة المناطق التجارية في البنجاب حوالي 363 فدان، والمحلات التجارية حوالي 6.179، والمنازل تقريبًا 1426، أما المقابر فحوالي 3151 فدانًا[vi]. كما أن هناك نماذج وقفية تعمل في المجتمع الباكستاني، منها مبادرة شركة حمدارد، وهي شركة أسسها حكيم عبد المجيد عام 1906م لإغاثة الفقراء، في البداية كانت عبارة عن ملكية خاصة مساحتها ثمانية أقدام مربعة ثم تحولت بعد ذلك إلى وقف، وتتكون من ثلاث منظمات: مختبرات ومؤسسة حمدارد ومدينة الحكمة[vii]، وتقدم مؤسسة حمدارد مجموعة من الأعمال الخيرية والأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، وتبلغ إيراداتها الإجمالية (حمدارد الثلاثة باكستان والهند وبنغلاديش) حوالي 9000 مليون روبية [حوالي 56 مليون دولار أمريكي] منها 85 % كربح أو تصرف في مجالات الصحة والتعليم والأعمال الخيرية[viii].
ومن النماذج والمبادرات الوقفية أيضا صندوق إحسان الاستئماني، وهو وقف تم إنشاؤه في يناير 2010م، من خلال سند وقفي مسجل بموجب قانون الائتمان لعام 1882م، ومصدر أموال مؤسسة إحسان الوقفية هو الجمعيات الخيرية من العملاء، وتبرعات من مصادر أخرى كالبنوك الإسلامية وشركات إدارة الأصول الإسلامية، وهي من أكبر الأوقاف الخاصة في باكستان التي تركز على الأهداف التالية: تسهيل القرض بدون فوائد للتعليم العالي (القرض الحسن)، التعليم وتنمية المهارات والتنمية الريفية والصحة والنظافة، إغاثة فورية للمتضررين من أي كارثة، إعادة التأهيل وخدمات بناء المجتمع الأخرى، إنشاء وتشغيل دور الأيتام، توفير الأموال لزواج الفتيات الفقيرات، مساعدة الفقراء المدينين، التمويل الأصغر الإسلامي. وحتى الآن، قام صندوق إحسان بتمويل أكثر من عشرين ألف طالب في التعليم العالي في حوالي 110 مؤسسة تعليمية مهنية، ويسعى إلى توفير قروض بدون فائدة لحوالي 10000 طالب بحلول عام 2020 [ix].
ثالثًا) استشراف التجربة
بالرغم من أن باكستان من الدول الإسلامية الفاعلة في العالم الإسلامي، كما أنها تمثل عددًا كبيرًا من السكان، وتشكل موقعًا جغرافيًا مهمًا للمسلمين في شبه القارة الهندية، ومع أن دخول الإسلام إليها كان مبكرًا، إلا أن نظام الوقف المؤسسي فيها يواجه مجموعة من الصعوبات، أبرزها قلة الوعي في المجتمع بتفاصيل هذه المؤسسة وأهميتها الاجتماعية والاقتصادية، وذلك لعدم ثقة الناس في أعمال الحكومة، فالحكومة إلى الآن لم تؤسس إطارًا قانونيًا ذا صلة بدور الوقف الاجتماعي والاقتصادي، يُمكن أن يحفز الواقفين على إنشاء أوقاف خاصة بهم في مجال التنمية المجتمعية، كما أن الإعفاء الضريبي الذي تقدمه للأوقاف محدود وغير كاف، بالإضافة إلى هذا كله تُعاني المؤسسة الوقفية الرسمية من عدم تطوير بنيتها التحتية وتجديدها، وضعف التنوع في إدارتها، ونقص التخصص والمهنية والتأهيل في الموارد البشرية[x]. ومع وجود هذه التحديات، إلا أن هناك مبادرات ومشاريع وقفية تعمل داخل المجتمع الباكستاني، كبعض المبادرات المجتمعية كمبادرة شركة حمدارد وصندوق إحسان الاستئماني وغيرهما، وهذا يعني أن هناك حراكا وقفيًا ظهر في الفترة الأخيرة في باكستان على الرغم من الواقع الذي تم التطرق إليه من استمرار تحكم الدولة في الأوقاف العامة، وعدم الكشف عن أصول الأوقاف في عموم باكستان، وترك المجال لسلطات الولايات في تنمية أصولهم مباشرة. ويتضح من خلال البيانات والمؤشرات السابقة، أن القطاع الوقفي في باكستان على المستوى الكلي لم يحقق جدوى عالية، إلا أن هناك تفاؤلًا بإمكانية حل بعض التحديات والصعوبات التي تواجه هذا القطاع على المدى القريب.