) فلسطين المحتلة

أولًا) قراءة في التجربة

تعتبر فلسطين[i] تحديدًا من أوائل دول الشام التي أقيم فيها نظام الوقف، خصوصًا أن فيها المسجد الأقصى بالقدس، والذي يعتبر من أوائل الأوقاف الدينية منذ عصر الرسالة، وتم تدشينه رسميًا كوقف إسلامي منذ الفتح العمري (15هــ/636م)، وكان محلًا لاهتمام الخلفاء والسلاطين وعموم المسلمين على مدار التاريخ الإسلامي، وما زال. وفي القرن الماضي، كانت فلسطين تخضع للإشراف العثماني الكامل على أوقافها وإدارتها، وعندما سقطت الدولة العثمانية، وجاء الانتداب البريطاني (1920-1948م)، كانت الأوقاف تُدار من قبل المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين بموجب نظام المجلس الصادر في فلسطين سنة (1921م) في عهد الانتداب البريطاني. وبعد نكبة عام (1948م)، خضعت أغلب أوقاف فلسطين الــ 48، وهي تشكل ما يقارب (78 %) من مساحة فلسطين الكلية لسلطة الاحتلال الصهيوني. ثم إدارة الأوقاف في الضفة الغربية – والقدس تحديدًا – طبقًا للقانون الأردني، أما الأوقاف في قطاع غزة فخضعت للحاكم الإداري المصري للقطاع. واستمر الحال على ذلك حتى نشأة السلطة الفلسطينية سنة 1994م، حيث أُنشئت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في كافة محافظات فلسطين في الضفة وغزة ما عدا القدس بقيت تحت سلطة وزارة الأوقاف الأردنية[ii].

وتتنوع الأوقاف في فلسطين كما كانت منذ العهد العثماني إلى[iii]: أوقاف مضبوطة، وهي أوقاف تديرها وزارة الأوقاف وتكون الوزارة هي المشرفة، أو أوقاف ملحقة، وهي أوقاف تدار من طرف أشخاص بإشراف وزارة الأوقاف، بسبب ضياع وثائقها، فتعين لها وزارة الأوقاف إدارة، أو أوقافاً مستثناة، وهي أوقاف تدار من طرف أفراد بإشراف القضاء بعيدًا عن سلطة الوزارة.

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

تقديرات الأوقاف في فلسطين المحتلة منذ العام 1948م[iv]:

  • تشير ميزانيات المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين للسنوات من عام (1923م) وحتى عام (1947م) بأن واردات الأعشار شكلت حوالي (50 %) من واردات الأوقاف الإسلامية في فلسطين. وأن (10%) من مجموع أراضي القرى العربية في البلاد أو نحو (7 %) من مساحة الأراضي الإجمالية لفلسطين باستثناء النقب كانت أراضي أميرية موقوفة وقفًا غير صحيح، وفي قراءة أخرى (15%) من مجموع مساحة الريف العربي كانت أراضي أوقاف.
  • مساحة الوقف الصحيح في المدن تبلغ (100) ألف دونم، بينما حين تقدر مساحة الوقف الميري تقدر بنحو (12-18%) من كامل الأراضي الزراعية البالغة (2.1) مليون دونم ميري وقفي. أما المصادر اليهودية فتحدد المساحة الحقيقية للأراضي الموقوفة بــ (100) ألف دونم، بينما يقدرها الباحث جرنوفكسي بنحو (700) ألف دونم.
  • أما الأراضي الوقفية الموثقة في فلسطين فتمثل (16%) من مساحتها الكلية، وعليه فإن مساحة الأراضي الوقفية تبلغ (178.677) دونمًا [الدونم= ألف متر مربع]. ويمكن إجمال الأعيان الوقفية في مناطق فلسطين المختلفة بالآتي:
  1. أوقاف مناطق الـــ 48

حسب دراسة للبنك الإسلامي للتنمية بجدة، فَقدَ المسلمون في مناطق الــ 48، والتي تشكل مساحتها ما يقارب 78% من مساحة فلسطين التاريخية معظم أوقافهم[v]، فقد كان ” المجموع العام للمساجد والمقامات والمقابر التي كانت قائمةً عام 1948م يزيد عن ثلاثة آلاف وثلاثمائة وواحد وستين مسجدًا ومقامًا ومقبرةً”[vi]. وفي عام 1922كان تقدير مدخول المجلس الإسلامي الأعلى (The Supreme Muslim Council) من الأوقاف يصل إلى 43.297 جنيهًا، كما أن الأراضي الوقفية الزراعية في فلسطين في بداية القرن الماضي وصلت (13-15%)، هذا فضلًا عن الأوقاف الذرية[vii]. ويرى البعض أن أراضي الأوقاف الإسلامية كانت تشكل ما نسبته (7%) من مساحة الأراضي داخل ما يسمى بـ”إسرائيل”، أي حوالى (100) ألف دونم، كانت تحت إشراف وإدارة “الأوقاف العامة” المنبثقة عن “المجلس الإسلامي الأعلى”[viii]، حيث كان مسؤولًا عن ست دوائر للأوقاف، فيها [592] موظفًا، وعن عشر مدارس وكليات دينية، وعدة مؤسسات ذات طابع وقفي[ix]. أما الريع الوقفي فقد كان عظيمًا في هذه المناطق، حيث يقدر سنويًا بـ (180) ألف ليرة “إسرائيلية”[x]، وللدلالة على هذا، يكفي أن نقول إن أوقاف البلدة القديمة في مدينة عكا كانت تصل إلى حدود (80 %) إلى (90 %) من إجمالي نسبة العقارات بالمدينة، ومن أبرزها مسجد الجزار، والمدرسة الأحمدية، والمكتبة، والمحكمة الشرعية وغيرها، تصل بمجملها حوالي 41 موقعًا وقفيًا بالمدينة، فضلًا عن مواقع لمقامات هي بالأساس وقفية منتشرة في نواحي المدينة وأطرافها وقراها، و 38 موقعًا لمقابر إسلامية وقفية، ولقد تبين أن مجموع أوقاف عكا المسجلة يصل إلى (638) دونمًا[xi].

أما مدينة يافا، وهي أقدم المدن الفلسطينية عام 1948م، فكانت نسبة الأوقاف فيها تصل حتى عام (1921م) إلى 33% من مساجد المدينة، في حين كان يمثل وقف مسجد سيد علي بن عليم نحو (28.400) دونم من الأراضي الخصبة في أقضية يافا، وطولكرم وجنين[xii]. وبعض الأرقام تؤكد أن عدد المساجد التي هُدمت بين عامي (1948) و(1967) بلغ حوالي (480) مسجدًا، والمقابر المهدومة حوالي (400) مقبرة[xiii]. ومن أنشط أوقاف مدن مناطق الــ 48، هي يافا ثم حيفا ثم عكا، ولها أوقاف مشهورة[xiv].

  1. أوقاف الضفة الغربية:

بعد دمج الضفتين الشرقية والغربية في 1 ديسمبر عام 1948، وبعد الاحتلال الصهيوني، صارت دائرة الأوقاف في الضفة الغربية والقدس الشريف تتبع عمليًا لقانون الأوقاف الأردني رقم 25 لسنة 1946، وبعد فك الارتباط عام 1988، بقيت وزارة الأوقاف الأردنية تمارس إشرافها على الأوقاف بالضفة الغربية، حتى دخول السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994[xv]. وحاول المحتل الصهيوني مصادرة بعض الأوقاف في مناطق الـ67 من خلال قانون أملاك الغائبين كما فعل في أغلب أوقاف الـ48، من خلال القرارات العسكرية كرقم 59 للعام 1967 والذي يجيز مصادرة أملاك وعقارات ذات ملكية خاصة، أو القرار العسكري رقم 1091، الصادر بتاريخ 20 كانون ثاني 1984 تحت قانون: أمر يتعلق بأملاك الدولة تعديل للقرار رقم 59، وأبرزها أملاك أو أراض كانت قد تمت مصادرتها تحت اسم المنفعة العامة، بحسب التشريعات العامة أو التشريعات العسكرية، لصالح قطاع أو سلطة عسكرية صهيونية، واستطاع الاستيلاء على (312.000) دونم من أراضي الأوقاف بالضفة[xvi]، ومنها أوقاف مشهورة تاريخيًا[xvii].

  1. 3. أوقاف قطاع غزة

كان المجلس الإسلامي الأعلى يتابع أوقاف غزة كما يتابع أوقاف الضفة، حيث كان 23% من إجمالي العشور الزراعية و17% من مدخول الإيجارات سنة 1922 تصرف على أعمال المجلس من غزة. وكانت هناك أوقاف مشهورة في غزة مثل وقف قرية عبسان المقدر بـ (300 ألف) جنيه مصري يصرف على الحرم الخليلي[xviii]. أما إجمالي أوقاف قطاع غزة، فكانت تقدر عند احتلالها عام 1967 بـ (10 %) من عقارات مساحة القطاع، وتشكل الأوقاف أيضًا 15% من مساحة الأراضي الزراعية أي 28.500 دونم[xix]. وعند احتلال القطاع عام 1967، أشرف الحاكم العسكري المصري رسميًا على تنظيم أوقاف القطاع، والتكفل بصيانة المساجد والتي بلغ عددها (92) مسجدًا قبل عام 1970، يُصرف لها حتى نهاية الستينات مبلغ يقدر بـ(50,000) جنيه مصري [حوالي 3 آلاف دولار أمريكي][xx]. واستمر هذا الأمر تحت الإشراف المصري على أوقاف غزة حتى إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية سنة 1994م. وعلى الرغم من مساحة قطاع غزة الصغير، حيث يصل إلى (365) كم2 فقط، فإنه يوجد في قطاع غزة ما يزيد عن 8804 دونم من الأراضي الموقوفة، موزعة على المجالات التالية[xxi]:

أما عدد العقارات الوقفية في قطاع غزة، فيصل إلى (1717) عقار وقفي مقسم إلى:[xxii].

أما الإيرادات الوقفية لعام 2020، فتصل إلى (1.2) مليون دولار أمريكي، يتم الصرف منها على الشؤون الدينية بما يقارب (400) ألف دولار أمريكي، ومشاريع إغاثية بــ (200) ألف دولار أمريكي، وعلى رعاية شؤون المساجد بــ (300) ألف دولار أمريكي، ويتم تخصيص (300) ألف دولار أمريكي لتطوير الأملاك الوقفية، من خلال صيغ الإجارة والمشاركة وغيرهما.

ثالثًا) استشراف التجربة

يعتبر الاحتلال الصهيوني من أبرز التحديات والعوائق لتنمية وتطوير قطاع الأوقاف في فلسطين عمومًا، فالاحتلال هو المسؤول بصورة مباشرة ورئيسة عن مصادرة أغلب أوقاف فلسطين، لا سيما في مناطق الــ 48، فضلًا عن مصادرته الأوقاف التاريخية في القدس، ومصادرته وقفيات كاملة، مثل وقفية حارة المغاربة على سبيل المثال لا الحصر. ولعل أبرز قانون صادر به العدو الصهيوني أملاك المسلمين وأوقافهم وهو قانون الغائبين والذي صدر بتاريخ 20 مارس 1950م، واستولى بها على مساجد، وأراضي زراعية، وعقارات تجارية وتراثية وغيرها[xxiii]، بالإضافة إلى القوانين والتي تخضع كلها لقوة السلاح والأمر الواقع. كذلك يمكن إدراج بعض التحديات لتطور التجربة الوقفية في فلسطين، منها الحصار على قطاع غزة، والحملات العسكرية من المحتل بصورة دورية على الضفة وغزة، ومنها استهداف الأوقاف، لا سيما الأوقاف الدينية كالمساجد، وتراجع الوضع الاقتصادي وأثره السلبي على استثمار الممتلكات الوقفية. ونظرًا لهذه الظروف، فقد تم رصد احتياج الإدارة الوقفية في كل من الضفة وغزة لتطوير وتأهيل، مع تنوع الصيغ المالية المستخدمة بدلًا من الحكر والإيجار