) دولة قطر

أولًا) قراءة في التجربة

لقد مرت الأوقاف في دولة قطر عبر حقب تاريخية مختلفة بالمراحل الآتية[i]:

أولا: مرحلة ما قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1987-1992)، حيث كان الجهاز الشرعي والقضائي بالدولة آنذاك هو المعني بالأوقاف فكانت معظم تلك الأوقاف يشرط أهلها بصرف عوائدها إما للذرية أو المقربين عموما أو لإمام المسجد. في عام (1987م) أُصدر القانون رقم (8) بشأن إعادة تنظيم رئاسة المحاكم الشرعية المنشأة في عام (1958) التي أصبحت بموجب هذا القانون تحمل اسم رئاسة المحاكم الشرعية، وهي هيئة قائمة بذاتها وبموجب ذلك التنظيم تمت إعادة تنظيم الوحدات التابعة للهيئة المذكورة بما فيها إدارة الأوقاف.

ثانيا: مرحلة إدارة الأوقاف بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1992-2002م)، حيث تحول الوقف إلى الشكل المؤسسي، وتم ضبط القوانين واللوائح لتسجيل القضايا، وعمليًا تأسست وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عام (1992م)، ثم أُصدِر قانون الوقف سنة (1996م)، وتم إعداد اللوائح المالية للوقف، إعداد النظام الإداري والهيكل التنظيمي للوقف، ثم أنشئت المصارف الوقفية[ii].

ثالثا: مرحلة إدارة الأوقاف وهيئة الأوقاف (2005-2008)،كانت هذه الخطة منعطفًا تاريخيًا مهما في تاريخ الأوقاف القطرية على مختلف المستويات التنظيمية، حيث هدفت إلى المحافظة على الأصول الوقفية وتطورها، فلقد تم خلال هذه الفترة إعداد أول خطة استراتيجية خماسية تهدف إلى إعادة إعمار جملة من العقارات الوقفية، تقدر قيمتها آنذاك بنحو نصف مليار ريال قطري وتمكنت من تنفيذ ما نسبته (80 %) من الخطة الموضوعة، التي شملت بناء عدد من العقارات الوقفية مختلفة الأحجام والمواقع. أيضا من الملامح المهمة خلال هذه الفترة التطوير الشامل للعمل الوقفي الإداري، حيث شمل التطوير جميع النظم المحاسبية والمالية، ورصد كافة التغييرات على حقوق الواقفين بواسطة أنظمة حسابية متطورة بالاستعانة ببيوت الخبرة والاختصاص.

رابعا: الهيئة القطرية للأوقاف في نوفمبر(2006) صدر القانون الأميري رقم (41) لسنة (2006) القاضي بإنشاء الهيئة القطرية للأوقاف، كشخصية اعتبارية مستقلة تتبع أمير البلاد مباشرة، حيث كان من اختصاص الهيئة: رسم السياسة العامة لإدارة أموال الأوقاف واستثمارها وإدارة شؤون الأوقاف والإشراف عليها، ووضع نظام لصرف الريع وعائدات الوقف، وتخصيص الأموال اللازمة للمشروعات، تسجيل الأوقاف وإصدار الحجج الوقفية.

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

تعاملت الإدارة الوقفية الحديثة بكل ما هو جديد لصالح تعظيم الأصول والريع من خلال قسم الاستثمار العقاري، وقسم الاستثمارات المباشرة، وقسم التحليل والمخاطر، ولهذا أسست الإدارة عدة محافظ استثمارية، منها: المحفظة العقارية، والتي استفادت من الطفرة العقارية في تعظيم ريع المحفظة العقارية خلال الفترة (2005-2007) حيث ارتفع العائد من (6 %) إلى(9 %) خلال الفترة المذكورة، وبلغ إجمالي محفظة الأوقاف العقارية في سنة (2007)حوالي: (2,600,000,000) ريال قطري [حوالي 714 مليون دولار أمريكي]، وأيضًا محفظة الأوراق المالية، والتي بلغت القيمة السوقية لمحفظة الأوراق المالية حوالي: 857.268.515 ريال قطري [حوالي 235,4 مليون دولار أمريكي]، وتنقسم المحفظة على قطاعات البنوك والمؤسسات المالية بنسبة (65 %)، والصناعة بنسبة (33 %)، والخدمات (1 %)، والتأمين (1 %)، وكذلك محفظة الاستثمارات الأخرى، والتي بلغت القيمة السوقية لحصة الأوقاف في الاستثمارات الأخرى حوالي568.396.000 ريال قطري [حوالي 156 مليون دولار أمريكي][iii].

وقد استفادت التجربة أيضًا من التقنيات الحديثة، فتم استخدام جهاز صراف الوقف الآلي للتمويل والتبرع للمصرف الوقفي المناسب، بطرق متنوعة إما نقدًا أو عن طريق البطاقة الائتمانية أو عبر رقم الهاتف المحمول.

وبلغ اجمالي الأصول الوقفية خلال (2008) قيمة إجمالية قدرها (3.082) مليار ريال قطري [حوالي 847 مليون دولار أمريكي]، ثم ارتفعت هذه القيمة إلى 5 مليار ريال قطري في سنة (2016)، [ أي ما يعادل   1.370 مليار دولار أمريكي]؛ وبلغ إجمالي الريع 69 مليون دولار أمريكي[iv]، ويرجع ذلك إلى تطوير الأراضي الموقوفة وفقا للتخطيط المسبق، وتعزيز العلاقات الخارجية مع البنوك والمؤسسات المالية، فضلا عن ثقة المجتمع المحلي بالوقف والتعاطي مع مفهومه أكثر. والشكل الموالي يوضح أهم المشاريع الاستثمارية لسنة (2020):[v]

ومن المشاريع أيضًا مشروع المصرف الوقفي للرعاية الصحية: الذي يتبع الأوقاف ويساهم في علاج مرضى غسيل الكلى، بالإضافة إلى تكفله بعلاج المرضى في المؤسسات الخاصة كالجمعية القطرية للسكري وغيرها من الجمعيات.  والمخطط الموالي يوضح ذلك:[vi] نموذج مركز قطر الثقافي الإسلامي، يحتوي هذا الصرح على قاعة محاضرات، ومعارض ومكاتب تجارية بغرض التأجير، بحيث يتم استثمار أموال الوقف بشكل آمن، وذلك من خلال تأجير (60 %) من البناء وتحقيق عوائد السوق، حيث قدرت مداخيل تأجيره حوالي: (18,117,000) ريال قطري [يساوي 5 مليون دولار أمريكي][vii].

ثالثًا) استشراف التجربة

على الرغم من صغر مساحة دولة قطر، إلا أن الأوقاف تشكل فيها نموذجًا في عظم حجم الأصول الوقفية والريع، وقد استفادت بلا شك من الدعم الحكومي والتشريعات والقوانين التي سهلت الاستثمار والتنمية لهذه الأصول الوقفية. ولعل خضوع التجربة للحوكمة وأدوات الرقابة، فضلًا عن استفادة مؤسسة الوقف من الطفرة العقارية والاقتصادية داخل الدولة في تعزيز أصولها ومضاعفة ريعها، وتنوع استثماراتها سيشكل إضافة حقيقية في تنمية التجربة القطرية على الرغم من حداثة إنشائها. وهذا ما يؤشر إلى دور نهضوي للأوقاف في قطر، لا سيما في مجال الاستثمار والتنمية.