جمهورية صربيا

أولًا) قراءة في التجربة

تم إثبات نظام الأوقاف في مع هجرة عائلة الأغا المسلمة، ففي عام 1291م[i]، قاموا ببناء مسجد في قرية مليكي، ليكون أول وقف ديني فيها[ii]. ولكن عمليًا خسر المسلمون الكثير من أوقافهم في صربيا بعد سقوط العثمانيين، وزاد الأمر سوءًا مع نظام الإصلاحات الزراعية التي أخذت من أوقاف المسلمين وأملاكهم الشيء الكثير[iii]. ولسبب ضياع الوثائق الوقفية، تم تحويل أملاك الأوقاف فيها في ظل الحكم الشيوعي إلى أملاك دولة، وبعضها تم بيعه بسبب ضياع الحجج الوقفية، واستفاد من هذه الأملاك الوقفية غير المسلمين[iv]. ومن لم يتم بيعه، تم تدميره والاستلاء على أكثر من 700 جامع ومدرسة، وفي عام 1930م تم تأسيس منظمة غير حكومية لرعاية شؤون المسلمين في صربيا[v]، وحاول المسلمون في صربيا إحياء أوقافهم لا سيما الدينية، وإنشاء الأوقاف التعليمية كما فعلوا مع فتح المدارس المدرسية للذكور في عام 1990، والمدارس المدرسية للإناث في عام 1996، وافتتاح جامعة نوفي بازار الدولية في عام 2002 كأوقاف توفر التعليم لجميع المواطنين، وإنشاء مرافق لهذه الأوقاف كفتح مطابخ الحساء للفقراء والمحتاجين[vi].

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

ينقل المسلمون في صربيا أن ثلث مساحة صربيا كانت أوقافًا، ولكن عمليًا حجم الأصول والريع فيها غير محصور، ولكن حتى عام 2020م يوجد في صربيا كأوقاف ما مثبت بـــ؛ 300 جامع، جامعة واحدة وكليتان إسلاميتان، و8 مدارس من مرحلة الابتدائي إلى مرحلة الثانوي و10 روضات، كما يوجد أماكن كبلديات كاملة هي وقف، كما هو الحال في منطقة سنجق ذات الأغلبية المسلمة، وأيضا توجد شوارع ودور، ومحلات، وحمامات وقفية[vii]. وتعتبر مدرسة الغازي عيسى في نوفي بازار من أقدم المدارس، والذي يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر، وعملت المدرسة حتى عام 1946 عندما أغلقها الشيوعيون، مثل جميع المدارس الدينية الأخرى في سنجق، وأعيد فتح المدرسة في 17 سبتمبر 1990، كما يوجد منتجع قديم في نوفي بازار، وهو ذو أهمية كبيرة بالنسبة لصربيا عمومًا، اكتشفه الرومان في الفترة من القرن الثاني إلى القرن الرابع الميلادي، وبنوا حمامات، وبرك وفيلات. ثم قام العثمانيون بتعزيز هذه المباني من خلال بناء حمام، الذي لا يزال يستخدم حتى اليوم في نوفي بازار. منتجع نوفي بازار القديم وهو وقف تبلغ مساحته حوالي 5 هكتارات، وقد صادرها النظام الشيوعي، واستعاد المجتمع الإسلامي ملكية هذه الأوقاف في عام 2013 وبدأ أعمال إعادة الإعمار في عام 2015[viii]. وفي مدينة بلغراد كان هناك 230 جامع بقي جامع واحد فقط وهو جامع البيرق الذي بني حين دخل العثمانيون صربيا، كما تم زيادة عدد المساجد، فمن عام 2006حتى عام 2020 تم بناء أكثر من 15 جامعًا[ix]. وتسعى جماعة صربيا الإسلامية من استرجاع أوقاف المسلمين المغصوبة، وتم تقديم أكثر من 56 دعوى لاسترداد هذه الممتلكات، منها 51 هكتارا من الأراضي، منها 30 هكتارا من الأراضي الزراعية، و3 هكتارات من الغابات والأراضي الحرجية، و 18 هكتارا من أراضي البناء، و10300 متر مربع من عقارات في المدن الصربية، وتحاول أيضًا إرجاع 18 مقبرة[x]، وتبين القائمة التالية، الأوقاف المصادرة في شمال سنجق في الفترة من 1945 إلى 1990[xi]:

 

المدينة

 

نوع ورقم العقار
الأرض المباني الإدارية والتجارية
Novi pazar 65 قطعة أرض بمساحة 30.6 هكتار على الأقل 21
Tutin 12 قطعة أرض بمساحة 12.7 هكتار على الأقل 0
Sjenica 16 قطعة أرض بمساحة 4.3 هكتار على الأقل 0
Priboj 3 قطع بمساحة 0.7 هكتار على الأقل 3
Prijepolje 16 قطعة أرض بمساحة 2.0 هكتار على الأقل 4
Nova Varosh 17 قطعة أرض بمساحة 0.9 هكتار على الأقل 1
المجموع 129 قطعة أرض بمساحة 51.2 هكتار على الأقل 29

وقامت جماعة صربيا الإسلامية بتأسيس إدارة للوقف، اطلق عليها لاحقًا مديرية الأوقاف الإسلامية وبيت المال في شهر ديسمبر من سنة 2019، وهي دائرة حكومية تعنى بإعادة الوقف وتحديثه والحرص عليه، إضافة إلى تنظيم وجمع التبرعات والزكاة وريع الشركات التابعة لها والمدارس والجامعات، ثم يوزع الريع على المستحقين[xii]. وصارت هذه الإدارة جزءًا من الرئاسة الإسلامية بصربيا، التي تتكون من ثلاث مشيخات تغطي جميع صربيا، وعلى رأس الرئاسة الإسلامية يوجد رئيس العلماء الذي يرتب وينسق العمل مع الدولة[xiii].

ثالثًا) استشراف التجربة

على الرغم من وجود المسلمين في صربيا كأقلية، لكنهم حاولوا بعد تحسن الظروف واستقرار الأوضاع فيها العمل على إعادة إحياء الأوقاف الدينية والاستثمارية أيضًا، مثل شركة حلال التي تأسست سنة 2006م والتي تدر ريعًا لا بأس به، والذي يعود بالنفع على إدارة الوقف في صربيا، فالشركة مخولة بمنح التراخيص للبضائع الحلال. لكن التجربة الوقفية في صربيا تعرضت لعدة تحديات قللت من فعالياتها، منها التعدي على أوقاف الأقلية المسلمة، فكالكثير من المواقع الحكومية قائمة على أراضي وقفية مثل البرلمان الصربي، ثم الحروب التي وقعت أسهمت في تعطيل الكثير من الأوقاف الفاعلة، كما أن القوانين التي تدعم ممتلكات الأديان لم تعط بعد الحقوق الكاملة للمسلمين في أوقافهم، فالدولة صادرت أرض الجامع الذي يوجد في البيرق وهي في وسط المدينة مساحتها حوالي 4هكتارات، علمًا أن قيمته السوقية تقدر المتر المربع الواحد فيها بأكثر من 6 آلاف دولار أمريكي، يُضاف إلى هذا قلة الوعي عند الأقلية المسلمة بأهمية هذا المورد الهام الذي توارثه عدة أجيال مسلمة. ولكن في التقدير، وهو عامل هام جدًا، هو تفرق أمر المسلمين في صربيا إلى عدة جميعات، ما يقلل من فعالية الوجود الإسلامي في استرجاع حقوقهم