الجمهورية السودانية

أولًا) قراءة في التجربة

فقد بدأت نشأة الوقف في السودان منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب[i]، عندما خرجت سرايا من مصر لإسكات اعتداءات النوبة عليها بعد دخول الإسلام في مصر، وبعد الانتصار على النوبة بقيادة عبدالله بن أبي السرح والي مصر، تم تحويل كنيسة دنقلا إلى مسجد، وما زال إلى يومنا هذا، كما كان للوقف في عهد سلطنة دارفور شأن عظيم، فضلًا عن تطوره في العهد العثماني التركي [ii]. وتشير الدراسات التاريخية إلى امتداد الأوقاف السودانية خارج السودان، حيث نجد العديد من الوقفيات التي يعود ريعها على الحرمين الشريفين مثل الأوقاف السنارية، كما شهدت الأوقاف السودانية العديد من التحديات خلال فترة الاستعمار البريطاني للبلاد (1899- 1956) [iii].

ولكن بدايات الاهتمام بالوقف كإدارة مؤسسية بدأت خلال فترة الحكم الإنجليزي على السودان، في سنة 1903م، وتكليف المحاكم الشرعية بمتابعة واقع الأوقاف، بيد أن تقنين أحكام الوقف لم يتم إلا في عام 1970م بإصدار قانون الوقف الخيري، ثم في عام 1986م صدر قانون الشؤون الدينية والأوقاف، وجعل وزير الأوقاف ناظرًا عامًا على الأوقاف الإسلامية، وجعل الأوقاف هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية[iv].

وفي شهر أكتوبر 1989م، تمّ تعيين أول مدير لهيئة الأوقاف الإسلامية، وتكوين مجلس إدارة لها يضم العديد من الكوادر الإدارية والفنية المؤهلة[v]، ثم في سنة 2008م تمّ تحويل هيئة الأوقاف الاسلامية إلى ديوان الأوقاف القومية؛ إلّا أن ما يلاحظ على هذه الفترة هو بقاء تسيير الأوقاف بطريقة مركزية[vi]، وبعد صدور دستور 2005 المعدل؛ الذي جعل شؤون الأوقاف في السودان تُسيّر من قِبَل مؤسسات أوقاف قومية اتحادية، ومؤسسات أوقاف ولائية بعدد ولايات السودان، ولكل ولاية قانونها الخاص بها، مثل هيئة الأوقاف الاسلامية لولاية الخرطوم[vii].

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

من أكبر العوائق ” التي تقف عقبة دون تثمير الأوقاف وتطويرها إلى المستوى المرجو والمأمول لتغطية الأهداف الموضوعة هو التمويل للإنشاء والتعمير”[viii]. لهذا كان لهيئة الأوقاف الإسلامية دور في خطة حشد الموارد من خلال عدة صيغ، منها: الأسهم الوقفية وإشراك جميع فئات المجتمع به، وتأسيس الشركة الوقفية برأسمال يقدر بثلاثة مليارات جنيه سوداني[حوالي 7 مليون دولار أمريكي]، وذلك بغرض تطوير الأصول الوقفية واستثمارها بطريقة ناجحة، وتمكنت الهيئة من الاستفادة من الدعم الذي حازته من الدولة في المجال الإداري والقانوني والإعلامي، ولعل أبرزها حملة إحياء سنة الوقف في المجتمع السوداني بمشاركة فاعلة من الحكومة لا سيما في مجال استرداد الأصول الوقفية الضائعة. ويقدر عدد الأملاك الوقفية العقارية في السودان إلى غاية سنة 2020م بـــ: 7231 ملك وقفي موزعة على 18 ولاية على النحو الذي يُبينه الجدول الآتي[ix]:

البطاقة الوطنية للأملاك الوقفية لسنة: 2020م

الولاية عدد الأملاك الوقفية الولاية عدد الأملاك الوقفية الولاية عدد الأملاك الوقفية
شمال كردفان 808 الشمالية 862 الجزيرة 1321
جنوب كردفان 119 البحر الأحمر 322 النيل الأبيض 601
غرب كردفان 360 الخرطوم 1072 النيل الأزرق 7
كسلا 492 شمال دارفور 320 نهر النيل 411
القضارف 254 سنار 282 شرق دارفور عملية الحصر جارية
جنوب دارفور عملية الحصر جارية غرب دارفور عملية الحصر جارية وسط دارفور عملية الحصر جارية

في حين أن الريع المتحقق من هذه الأوقاف بلغ خلال سنة 2019م: 131,273,977جنيه سوداني [حوالي 290 ألف دولار أمريكي]، أما في سنة 2020م فقد بلغ: 208,504,046جنيه سوداني [حوالي 461 ألف دولار أمريكي]؛ والجدول التالي يبين توزيع الإيرادات الوقفية حسب كل ولاية[x]:

الولاية إيرادات سنة 2019 إيرادات سنة 2020
شمال كردفان 13.291.928 20.144.220
جنوب كردفان 860.878 1.274.400
غرب كردفان 0 0
كسلا 7.966.107 15.766.107
القضارف 3.902.620 7.697.480
الشمالية 4.332.640 7.502.920
البحر الأحمر 4.035.863 9.800.000
الخرطوم 52.161.814 70.161.744
شمال دارفور 4.452.000 9.454.000
سنار 5.328.553 2.526.980
الجزيرة 16.269.433 32.322.203
النيل الأبيض 8.581.622 4.577.028
النيل الأزرق 0 0
نهر النيل 6.890.205 2.928.614
جنوب دارفور 7.456 17.832.350
غرب دارفور 522.858 1.152.000
وسط دارفور 0 0
شرق دارفور 2.670.000 5.364.000

 

هذه الحركة الوقفية خلّفت العديد من النماذج الوقفية القائمة في السودان، منها على سبيل المثال لا الحصر: مشروع (ASSETS Real Estate): وهو عبارة عن ثلاثة أبراج وفندق خمسة نجوم يقع بشارع النيل يتربع على مساحة قدرها 8530 م2، بتكلفة قدرها 250 مليون دولار، ويشمل برجًا طبيًا متكاملًا ومركزًا تجاريًا وبرجًا إداريًا، ومبنى تحت الأرض (03 طوابق) ومبنى إداري (04 طوابق)، وثلاثة أبراج بـ 34 طابق. هذا بالإضافة إلى العديد من النماذج الوقفية خارج السودان على غرار الأوقاف الموجودة في المملكة العربية السعودية في الحرمين الشريفين، وكذلك الموجودة في مصر.

ثالثًا) استشراف التجربة

التجربة السودانية غنية بالأصول الوقفية، ولكنها تشهد عدة عوائق وتحديات، من أبرزها غبن قيمة بدل إيجارات الأملاك الوقفية، حيث تآكلت قيمة الإيجارات مع مرور الزمن في مقابل بُطءٍ وتأخر في سداد هذه الأجرة، وضياع الكثير من الأملاك الوقفية في مختلف المناطق السودانية نتيجة إهمال تطويرها واستثمارها، ومن أمثلة ذلك: الأراضي الوقفية في سودان ديزل، وبعض أوقاف البغدادي في السوق العربي بالخرطوم. أيضًا ما حدث للجمهورية السودانية من تقسيمها إلى قسمين: السودان وجنوب السودان؛ الأمر الذي أثر على عملية حصر الأوقاف المنتشرة في أطراف الجمهورية، وغيرها من التحديات.

لكن يمكن معالجة هذه التحديات والعوائق إذا تمكنت مؤسسة الوقف من تطوير حزمة من التشريعات والقوانين، لتنمية الوقف واستثماره، وحمايته، والعمل على حصر كافة الأصول الوقفية الضائعة والمفقودة والتي تم الاعتداء عليها، لأنها أصول مالية كبيرة، وعمدت على تطوير الكوادر المتخصصة، وتطوير الصيغ المالية المستخدمة في استثمار الوقف، كما استحــدثت نــظامًا مبـتكرًا للاستثــمار أطلـق عليه (P Bost)، ويعني سداد مقدم من التمويل لتسيير شؤون الأوقاف، وإنفاذ الشروط أثناء فترة الإنشاء