أولًا) قراءة في التجربة

تعتبر المنطقة الاسكندنافية ودولها من المناطق التي تطورت حديثا، وخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945م، حيث قامت بإعمار الدول المتضررة من الحرب، وأيضا السويد لم تشارك في الحرب مما جعلها منطقة حيوية للمشاركة في بناء المجتمعات المتحضرة، ويعتبر المجتمع السويدي من المجتمعات التي تدعم بقوة الأعمال الخيرية والمؤسسات الاجتماعية[i]. أول المسلمين الذين وصلوا السويد كانوا تتار روسيا، وهاجرت أول جالية من أصول إسلامية إلى السويد بعد الحرب العالمية الثانية من فنلندا، وكانت من أصول تتارية[ii]، وتم تأسيس أول جماعة إسلامية في عام 1949 في ستوكهولم من قبل اللاجئين القادمين من إستونيا والذين ينتمون إلى مجموعة التتار العرقية[iii]. ويعتبر الإسلام ثاني أكبر ديانة في السويد والأكثر نموًا خلال الخمسين عامًا الماضية، فنسبة المسلمين في السويد تقدر 8.1% من إجمالي عدد السكان البالغ 10 ملايين في عام 2020م (810 ألف مسلم)[iv].

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

وفقا لما صرح به الخبير والمتخصص في الأوقاف بإدارة مجلس المحافظات السويدية (Mikael Wiman) فإنّ عدد المؤسسات الوقفية المسجلة في السويد حاليًا يبلغ حوالي 33,515 مؤسسة وقفية مسجلة، للمسلمين وغيرهم، تفوق قيمتها 20 مليار دولار أمريكي. ولكن عدد المؤسسات النشطة منهم حوالي 13,500 مؤسسة، إذ توجد حوالي 27 مؤسسة وقفية مسجلة للمسلمين لدى مديرية الأوقاف، برأس مال عام نقدي يقدر بــــــ 80 مليون كرون (حوالي 9 مليون دولار أمريكي) تعمل في مجالات متعددة والأغلب في المساجد والمدارس. أكبر هذه المؤسسات هو وقف الأزهر للمدارس حيث يمتلك ثلاث مدارس تابعة للجالية الصومالية برأس مال بلغ 36 مليون كرون (حوالي 4 مليون دولار أمريكي)، ووقف الرسالة الاسكندنافي في مجال التعليم والتواصل الحضاري والعلاقات العامة برأس مال بلغ 29 مليون كرون (حوالي 3.5 مليون دولار أمريكي) [v]. وفقا لقانون الأوقاف المعتمد من قبل البرلمان السويدي للعام 1994م توجد أنواع عديدة للوقف في السويد وهي: الأوقاف العادية من قبل شخص واحد أو عدة أشخاص، الأوقاف الخاصة بالتبرعات وجمع الهبات، الأوقاف التعاونية للمؤسسات التجارية لغرض محدد ضمن مؤسسات أرباب العمل، الأوقاف الخاصة بالتقاعد للموظفين والأوقاف الخاصة بالموظفين في الشركات كمميزات بعد العمل. ولتأسيس مؤسسة وقفية في السويد فإنه يتطلب: محضر تأسيس الوقف من قبل الواقفين وتحديد المادة الموقوفة سواء نقدا او عينا، ووضع دستور أو نظام أساسي للوقف، وتعيين إدارة للوقف على الأقل 3 اشخاص منهم رئيس الإدارة، وتسجيل الوقف لدى مصلحة الضرائب، كما يجب وضع الأموال في الحساب البنكي وتسجيل الممتلكات الوقفية باسم الوقف. وفي السويد، يتم تحويل الوقف إلى الإدارة المنتخبة التي تدير الأوقاف، إلاّ الأوقاف العائلية، أو التشغيلية، أو المؤقتة، أو المخصصة لأمور معينة. وعموما فإن جل النظم والقوانين الوقفية في السويد مستوحاة من الأندلس. وأغلب مصادر التمويل هي تبرعات؛ مثل تبرعات من المحسنين ومن حكومات ومؤسسات خليجية أو تبرعات ومساهمات من السويديين المسلمين، تصرف في تشغيل منشآت المراكز والمساجد والجمعيات الإسلامية وإقامة بعض الأنشطة للمواطنين السويديين المسلمين، يستفيد منها 760 ألف سويدي مسلم و250 ألف سويدي غير مسلم. تعتبر مؤسسة وقف الرسالة الاسكندنافي مثالا رائدا في المجال الوقفي حيث تأسست سنة 2003م بتبرع من أحد المحسنين بمبلغ 2.7 مليون كرون (حوالي 400 ألف دولار أمريكي)، مجال نشاطها كما ذكر سابقا هو التعليم والتواصل الحضاري والعلاقات العامة. لديها العديد من الإنجازات الناجحة في مجالاتها. قامت مؤسسة وقف الرسالة بإنشاء أكثر من 20 مؤسسة تحتية، وتملك مبنى يغطي حوالي 10 آلاف متر مربع. كما تخرج من مدارسها ومعاهدها العديد من المعلمين والإداريين هم الآن يشغلون مناصب في مدارس الوقف وهم مؤهلون لذلك. كذلك لمؤسسة وقف الرسالة أوّل وقف في آيسلاندا وهو أول مسجد هناك، ووقف في شمال النرويج. تقدر ممتلكات المؤسسة لسنة 2020 بحوالي 450 مليون كرون (حوالي 52 مليون دولار أمريكي). وتقدر مخصصات عامها الأول من التعليم ب2 مليون كرون(230 ألف دولار) بينما في سنة 2020 تقدر 56 مليون كرون(6.6 مليون دولار أمريكي). إضافة إلى العديد من الإنجازات والمشاريع الناجحة والهادفة، مما يجعلها مؤسسة رائدة في مجال الوقف في الدول الاسكندنافية[vi].

أيضا من النماذج الوقفية، المجلس الاسكندنافي للعلاقات، الذي أعلن عن تأسيسه في 3 نوفمبر 2017 والذي من أولى مهامه التنسيق بين المؤسسات والأوقاف والجمعيات الاسكندنافية الإسلامية، والتعاون مع الجهات الرسمية لما فيه خير ومصلحة مواطني اسكندنافيا. وتتكوّن الموارد الاقتصادية للمجلس الاسكندنافي للعلاقات من: التبرعات والهبات والمعونات التي تقدّمها البلدان، والمؤسسات العامة، والخاصة، والأفراد المقيمين في دول الشمال وخارجها[vii].

ثالثًا) استشراف التجربة

السويد والدول الاسكندنافية رغم البيئة الملائمة ووجود البنية الملائمة لنمو وتطور الوقف قي هذه البلاد إضافة لتشجيع الحكومة على الوقف والمساهمة فيه، إلا أن أوقاف المسلمين في هذه البلاد، لا زالت تعاني من بعض الأمور منها ما يتعلق بالمساجد وبعض المراكز، فهي كبيرة ونسبة الأرباح التجارية معدومة، فالمتبرع يساهم في بناء وشراء المنشآت دون التشغيل إضافة إلى عدم وجود موارد تجارية عبر عمل مؤسسي للتشغيل، علاوة على ذلك، تراكم الديون على الأوقاف والمؤسسات التابعة له، واهتراء معظم مباني هذه المؤسسات، وعدم وجود خطة واضحة للصيانة والترميم. لذا يجب بناء أوقاف تجارية لكل وقف خيري خدمي واشتراط بناء وقف تجاري لكل مسجد قبل البدء بالبناء، والتفكير في الاستثمار العقاري وإيقاف الأرباح لصالح الأنشطة