جمهورية سنغافورة

أولًا) قراءة في التجربة

إن جمهورية سنغافورة كانت جزءًا من ماليزيا قبل أن تنفصل عنها رسميًا عام 1965م[i]، ويعتبر أن دخول الإسلام فيها في نفس فترة دخول الإسلام إلى ماليزيا. ويعود أول وقف فيها تم تأسيسه عام 1826م، حيث كان مسجد عمر كمبونج ملاكا قد تم بناؤه من قبل المهاجرين العرب والهنود. لكن عمليًا بدأت إدارة الأوقاف تعمل مع صدور قانون الإشراف على التشريع الإسلامي عام 1968م، والذي عرف الوقف على أنه ” التخلي الدائم أو المستمر من قبل المسلمين عن أي ممتلكات منقولة أو غير منقولة لأي غرض ديني أو خيري”[ii].

وعليه، فقد صارت كل الأوقاف التي يتم تأسيسها إلى إدارة مجلس الإسلامي (MUIS)، والذي أنشأ قانونًا لإدارة الأصول الوقفية، وتعيين النظار ومحاسبتهم. وصار من مهامه أيضًا تسجيل الأوقاف وإثباتها، حيث تم إثبات وتسجيل ستة أوقاف فقط في المجلس في نفس العام، وبحلول عام 2000م، صارت الأوقاف المسجلة بالمجلس تصل إلى 100[iii]. ومن الأوقاف، عقارات اشتراها المسلمون من خلال عمليات توزيع الأسهم عليهم، وهذا ما يسمى بالوقف الجماعي، من خلال مشاركة مجموعة من المسلمين بالوقف النقدي لشراء أصل عقاري. ويشابه نظام الوقف في سنغافورة نظام الوقف في الولايات الماليزية، من حيث أن المسؤول عنه هو المجلس الإسلامي (MUIS)، بيد أنه يختلف عنها في أن المجالس الدينية في الولايات الماليزية تتبع مباشرة لسلطان الولاية، في حين في سنغافورة يكون المجلس هو سيد نفسه، بسبب أن سنغافورة دولة يشكل المسلمون فيها أقلية.

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

بفضل حصر الأوقاف بصورة مبكرة، وتنظيم الإدارة الوقفية، تمكن المجلس الإسلامي من مضاعفة ريع الوقف، وكانت البداية في عام 1990م لوقف كبير، وتحويل العقارات الوقفية المعطلة إلى عقارات استثمارية تدر ريعًا دائمًا، مثل مشروع(Telok Indah) عام 1991م وغيرهما. واستفاد المجلس من تعيين موظفين ذوي كفاءة في التطوير العقاري صاحبه ارتفاع أسعار العقارات وندرة الأراضي في سنغافورة، وكان عمل المجلس على شراء أسهم بضمان العقارات، وتطوير هيكل “صكوك” باسم سند المشاركة من أجل تجميع 60 مليون دولار أمريكي لمشاريع وقفية، ومن خلال شركاء المجلس كبيت المال، كما اعتمد المجلس لجنة شرعية تتابع أعمال الاستثمار والتطوير العقاري للأصول الوقفية، مع الاستفادة من الاكتتاب في سندات المشاركة وغيرها من المشاريع.

واستفاد المجلس أيضًا من التطوير العقاري كمدخل لتطوير الأصول الوقفية، وإشراك المسلمين في دعم مشاريع المجلس العقارية التي تصب في النهاية في تطوير القطاع الوقفي، فأسس صندوق الاستثمار العقاري الداخلي لعقارات الأوقاف الخاصة بالمجلس، ثم أسس أيضًا شركة تابعة للمجلس بملكية كاملة اسمها شركة استثمارات الوريث “المحدودة”. كما استطاع المجلس من خلال الوقف النقدي بناء الأوقاف الدينية كالمساجد والمدارس الدينية، من خلال الإدارة الفعالة ذات الكفاءة للوقف.

كما كانت الإدراة الوقفية تُعاني بدايات عام 2010م من عدم وجود قاعدة بيانات قادرة على ضبط الأصول الوقفية، مع صعوبة الاستثمار في المجال العقاري بسبب ارتفاع أسعار العقارات، وتوجه التبرعات نحو الأعمال الخيرية للمجتمع المسلم[iv]. هذه الاحترافية ما بين إدارة العقار والوقف، زادت من قيمة إجمالي أصول الأوقاف بحوالي 250 مليون دولار أمريكي عام 2008م، وقد حصل المجلس الإسلامي على شهادة ISO 900 لحسن الإدارة لأصوله، وتحقيقه للجودة والالتزام بمعايير العمليات والقيادة والعملاء والنتائج[v]. وحسب إحصائية في عام 2013م ذكرت أن المساجد هي المستفيد الأكبر من الأوقاف بحوالي 47%، تليها المدارس ب 19%، والفقراء ب9%[vi]، وفي دراسة أجريت عام 2015م، أشارت إلى أن المجلس الإسلامي يدير 130 أصلًا وقفيًا بلغت قيمتها 711 مليون دولار سنغافوري [=529 مليون دولار أمريكي][vii]، كما أن هناك 90 وقفًا يديرها MUIS، يبلغ مجموع قيمتها الصافية 985 مليون دولار سنغافوري سنة 2019 [=732 مليون دولار أمريكي]، وشكلت الممتلكات 95% من مجموع الأصول في حين لم تستثمر سوى 5% فقط في الأسهم، ويمثل الريع حوالي 2% من الأصول القابلة للاستثمار[viii].

ثالثًا) استشراف التجربة

مع أن التجربة صغيرة ومحدودة، إلا أنها استفادت من بيئة تطور الأعمال في سنغافورة، وساهمت في تطوير أصولها، على الرغم من بعض العوائق ولعل من أهمها أن الاستثمارات غالبًا ما تقع في استثمارات عالية الخطورة، بسبب أن التمويل محدود ومقيد، وأغلبية المؤسسات المالية فيها لا تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية، وما يوافق أحكام الشريعة الإسلامية يكون محدودًا وريعه متدنٍّ.

وهذا ما يجعل المجلس الديني يعمل على تشجيع المسلمين على وقف النقود، والعمل على التمويل الذاتي من المجتمع السنغافوري المسلم والذي يعيش بين أغلبية غير مسلمة