أولًا) قراءة في التجربة

إن دولة الصومال[i] كانت من الدول التي عاشت تحت الاستعمار الأوروبي، وهي دولة مسلمة 100%، وفي عام 1960 نال الشعب الصومالي الحرية، ولكن قبل الاستقلال كان جل الشعب الصومالي في البادية حوالي 90%، وتقريبا 10 % في المدن، وكان بعض أهل البادية يوقفون بعض حيواناتهم لفائدة العلماء والمساكين واليتامى، في حين يوقف أهل المدن عقاراتهم لصالح أولادهم وأولاد أولادهم، ويكون الواقف قيما على وقفه وبعد وفاته يجعل الولاية لمن يشاء، وخصص لهذه الأوقاف ديوان تشرف عليه المحاكم[ii]. ومعظم أراضي الصومال كانت عبارة عن أراض وقفية ومساجد كثيرة، وأول مسجد بني فيها كان في القرن الخامس الهجري عام 450 ه، أي بني لما يقارب ألف سنة ومازال موجودا إلى الآن وتقام فيه الصلاة، وبعده بأكثر من خمسين سنة بني مسجد آخر يطلق عليه اسم “مسجد الأربعة ركون” وهو من أقدم المساجد في العاصمة مقديشو، وقد بني تقريبا في عام 667 ه، وفي مقديشو لوحدها يوجد تقريبا 3000 مسجد[iii].

مسجد الأربعة ركون

 

 

ولما دخل الاستعمار الايطالي إلى دولة الصومال عام 1889م، أخذت إيطاليا معظم هذه الأراضي الوقفية، وقامت ببناء كنيسة ضخمة قرب مقديشو، وحاليا تنفق عليها إيطاليا أو الكنيسة الكاثوليكية حوالي مليون أو نصف مليون لترميمها[iv]. وقامت الحكومة الصومالية بإنشاء قسم خاص بالأوقاف والشؤون الدينية في وزارة العدل، إضافة إلى قسم خاص بشؤون المساجد، وأسندت مسؤولية القطاع الوقفي وإدارته إلى مدير الأوقاف بهذه الوزارة، والتي تعمل على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وتراعي شروط الواقفين[v].

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

إن أغلب الأصول الوقفية في الصومال عبارة عن مساجد، ولهذه المساجد أوقاف تابعة لها من دكاكين تجارية وأراض زراعية وبساتين وغير ذلك[vi]. والمجتمع الصومالي كان في غالبيته مجتمعا رعويا يقطن في البوادي ـــــ غالبا في الريف ــــ، لأجل ذلك كانت بعض الأوقاف في الصومال تأخذ صورة بهيمة الأنعام وما يحوم حولها، بمعنى أن المجتمع الصومالي في البوادي مشهورون بالمنح، أي ما يتعلق بالمساعدات والمساهمات للأشخاص المعوزين.  وتتوفر كذلك على الأوقاف الاستثمارية من الاستثمار الزراعي والاستثمار في المواشي، غير أن هذه الأوقاف تحتاج إلى خبراء وقوة عاملة كبيرة، ومعظم الدكاكين التجارية ومساكن الإيجار وأراض للبناء لم يتم بناؤها حتى الآن، وتتوفر الصومال أيضا على أراضي زراعية واسعة لكنها غير مستغلة، وهذا راجع إلى قلة الإمكانيات اللازمة لاستغلالها، وهو ما أدى إلى قلة الإيرادات الوقفية الموجودة في الصومال، وأصبحت غير كافية لتلبية الاحتياجات الضرورية للأوقاف والعاملين. كما أن الصومال تتوفر على أوقاف صحية كالمستشفيات، وهذه الأوقاف موجودة تحت يد إدارة المؤسسات الخيرية، على سبيل المثال مؤسسة جامعة مقديشو و جمعية العون المباشر وغيرها[vii].

ويوجد في الصومال حوالي 14 ملجأ مخصصًا للأيتام في العاصمة مقديشو وفي المحافظات التابعة لوزارة العدل، وعدد الأيتام تقريبا أكثر من عشرة آلاف، يشترك في رعايتهم وزارة العدل ومشروع ساعد نفسك[viii].

وتعمل وزارة العدل الصومالية في عدة إنجازات على أرض الواقع، منها مشروع جامعة مقديشو، التي تم تأسيسها عام 1997، وهي مؤسسة غير حكومية وغير ربحية لخدمة التعليم العالي في الصومال.

                           

وأيضا مشروع مؤسسة زمزم الخيرية، التي تأسست في عام 1992م، وهي مؤسسة إغاثية تقدم الخدمات التعليمية والصحية لمختلف فئات الشعب الصومالي، ومقرها الرئيسي في العاصمة مقديشو[ix].

ثالثًا) استشراف التجربة

تواجه الأوقاف الصومالية صعوبات وتحديات عديدة، أبرزها جهل الناس بأهمية الأوقاف الإسلامية، وعدم وجود برنامج دعوي وتوعوي في الصومال، فضلا عن غياب الحوكمة الدقيقة في المؤسسات الوقفية الموجودة بالصومال مثل المساجد. كما أن الحكومة لا تعطي أهمية كبيرة للأوقاف العامة[x]. وفي الختام، يمكن القول بأن الصومال تتوفر على إمكانيات كبيرة لاستثمار ممتلكاتها الوقفية، غير أنها تحتاج إلى تمويل، و ميزانية وزارة العدل لا تتيح ذلك، لذلك يتعين على وزارة العدل العمل على تعزيز علاقتها مع وزارات الدول الأخرى لتمويل واستثمار أموالهم في خدمة القطاع الوقفي الصومالي