مملكة تايلند

أولًا) قراءة في التجربة

إن عملية الوقف قد بدأت في تايلاند منذ دخول الإسلام إليها، إلا أن إدارة الممتلكات الوقفية تركت بالكامل لنظار الوقف المسلمين دون أن تخضع لضوابط قانونية[i].

شيخ ا لإسلام

حاليًا يتمركز المسلمون في أربع محافظات رئيسية في جنوب تايلند، وبما أن تايلند بلد غير مسلم، فليس لديها أي قانون يُنظم مؤسسات الأوقاف على وجه التحديد، وتدار الأوقاف حاليًا في هذه المقاطعات الأربع تحت إشراف اللجنة الإسلامية الوطنية ولجان المساجد. والممارسة الشائعة لإنشاء أوقاف في هذه المناطق هي أن يتبرع الواقف بأرضه للمسجد، ويكون الناظر للمشروع هم أعضاء لجنة المسجد[ii]. كما تم ذكره سابقًا أن الإدارة الوقفية تخضع لاجتهادات النظار بدون الرجوع إلى قانون أساسي يُحتكم إليه، حتى عام 1947م حين أصدرت الحكومة التايلاندية قانون إدارة المسجد، وقد اشتمل القانون على صفة المسجد القانونية على أنها شخصية اعتبارية، ويحق للمسجد امتلاك جميع الممتلكات بما فيها الممتلكات الوقفية، ثم في عام 1954م صدرت قوانين متعلقة بالأراضي، وفي عام 1997م أصدرت الحكومة التايلاندية قانون إدارة المؤسسات الإسلامية[iii]. وكما يرى أرون بونشوم، رئيس هيئة كبار العلماء التابع لشيخ الإسلام بتايلاند من أن الأوقاف مرتبطة بهيئة العلماء حسب التراتيب الإدارية، بحيث يشرف شيخ الإسلام على جميع الأوقاف باعتبارها من شعائر الإسلام، لمسلمين يصل عددهم إلى 7 مليون نسمة، مقسمين على المجالس الإسلامية في المحافظات والمجالس الإسلامية في المساجد[iv].

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

تنقسم إدارة الأوقاف في تايلاند إلى مرحلتين[v] :

المرحلة الأولى، وهي ما قبل عام 1947م، حيث اختصت الأوقاف عمومًا في الأوقاف الدينية، كإنشاء المساجد أو المدارس الدينية أو المقابر، ويتم الإشراف عليها من قبل نُظار بصورة فردية، أو لجنة على حد أكبر، لكن للأسف بسبب العفوية والفردية في النظارة لم تحفظ حجج الأوقاف ما جعل بعض الأوقاف تضيع أو يستولي عليها ذرية الواقف.

أما المرحلة الثانية، فهي ما بعد عام 1947م، حيث توجهت الأنظار إلى تطوير منظومة الوقف، لكن كان العديد من هذه الأوقاف تحت سلطة النظار ولم يتم نقل الملكيات الوقفية بصورة صحيحة، مع أن الدولة سهلت إمكانيات نقل الملكيات، وخفضت رسوم النقل للأراضي التي يبنى عليها المسجد، أو الأراضي التي تبنى عليها المدارس الدينية أو المراكز الثقافية أو المقابر. ولم يذكر القانون الإداري للمنظمة الإسلامية في مملكة تايلند في عام 1999م، أساليب استثمار ممتلكات الأوقاف الإسلامية، باستثناء الشكل الإيجاري لممتلكات الأوقاف الإسلامية، وتقتصر التعليمات المتعلقة بإدارة أملاك الأوقاف الإسلامية للمساجد في الوقت الراهن على تطوير أملاك الأوقاف الإسلامية لإدارة المساجد في تايلند على النحو الذي ذُكر باعتبار قانون الأوقاف في تايلاند وهو قانون غير شامل، كما حدد هذا القانون أن استئجار أملاك الأوقاف هو الشكل الوحيد لإدارة الأوقاف في تايلاند[vi]. وتلعب الصناديق الخاصة التابعة للحكومة التايلاندية دورًا كبيرًا في إدارة الأوقاف، من حيث استثمار الأراضي في الأوقاف وصيانة المساجد[vii].

وحسب دراسة ميدانية قام بها تاوات نويبوم واريس حسام خُصصت  لــ 40 إمامًا أملاك وقفيّة، و12 إماما يديرون بأنفسهم أملاكًا وقفيّة، فذكروا أنّه توجد مدارس وقفية إسلامية تضم كل مدرسة أكثر من 100 طالب، وألحقت هذه المدارس بالمساجد، وتوجد في بعض القرى الأخرى مدارس ثانوية إسلامية على شكل مؤسسات وقفية، وذكر البعض منهم أن المساجد تمتلك أيضًا أراض زراعية مثل مزارع زيت النخيل والمطاط، ويتم التعامل مع الدخل الذي يتم الحصول عليه من هذه العقارات كمصاريف للمساجد، كما ظهر أنه لا تسجل قيمة الأراضي الزراعية بالسجلات المحاسبية للمساجد، غير أن الأئمة ولجنة المسجد لديهم معرفة بالقيمة السوقية، ويقدمون المعلومات بانتظام إلى اجتماع اللجنة عند الحاجة[viii]. وأصدرت اللجنة المركزية للشؤون الإسلامية في تايلند في عام 1999م تعليمات بشأن إدارة أموال المساجد وممتلكات الأوقاف الإسلامية حيث تنص المادة 27 من التعليمات، على أن المساجد مسؤولة عن إدارة أملاك الأوقاف الإسلامية في المساجد وفقًا للشريعة الإسلامية، ودون انتهاك للقانون كما حدده[ix].

وأغلب أنواع الأوقاف في تايلاند تشمل الأراضي والمباني ولكن لا يمكن تحديد حجمها، وذلك لأن سجلات الأوقاف غير دقيقة وغير منتظمة، ومعظم الممتلكات الموقوفة فيها -خاصة الأراضي- قد شرط واقفوها استغلالها وصرف ريعها على المساجد، ولكنها لم تُخْضَع لصيغة استثمارية سوى الإجارة، – وهي صيغة قديمة- ويشتمل الجزء الغالب من الأراضي الموقوفة على أراض تمتاز بمواقعها الاستثمارية المميزة في مراكز المدن، بينما يشتمل الجزء الآخر على أراض زراعية في المناطق الريفية، وغالبها غير مستغل لما أوقف له[x]. ووفقا لمعظم الأئمة، تقدم لجنة المسجد تقارير سنوية عن الإيصالات والمدفوعات إلى اللجنة الإسلامية في الولاية، والواقع أن كل المساجد في تايلاند مطالبة بموجب قانون إدارة التنظيم الإسلامي لعام 1997م وقانون إدارة المساجد لعام 1947م بالإبلاغ عن كل الحسابات والمدفوعات والميزانية العمومية، ولكن من الناحية العملية، فإن لجان المساجد غير قادرة على إعداد ميزانيات سنوية، وهذا يظهر مدى الضعف في الإدارة والمحاسبة[xi]. وهذا يشير إلى عدم ضبط هذه الأصول وعشوائية الاستثمار الذي تجريه لجان المساجد، ما يزيد من عدد الوقفيات المعطلة بسبب عدم وجود إدارة احترافية، كما يظهر أن هناك مساجد لها أصول وقفية عقارية مؤجرة تنفق عليها، في حين تعاني بعض المساجد من عدم وجود جهات تصرف عليها.

ومن النماذج الوقفية التي تظهر أن الأداء الوقفي الاستثماري في تايلند ليس على وتيرة واحدة، وأن هناك أوقافًا يتم استثمارها بطريقة صحيحة، نموذج العقار الاستثماري لمسجد دار المحسنين، والقائم على أراض موقوفة تابعة للمسجد، ويبلغ ريعها الشهري 5595 دولار أمريكي مقابل مصاريف المسجد حوالي 2563 دولار أمريكي كما في مستندات عام 2020 [xii].

ثالثًا) استشراف التجربة

التجربة التايلندية في مجال إدارة الوقف تواجه مشاكل حقيقة تقلل من استفادة الأقلية المسلمة من أصولها الوقفية المنتشرة في المحافظات[xiii]، من أبرزها عدم الضبط القانوني والإداري للأصول الوقفية، ما جعل بعضها عرضة للتعدي والاستخدام لغير ما خُصصت له، كما أن هناك أوقافًا في العاصمة بانكوك مؤجرة بأجرة زهيدة جدا لعقد طويل، – الحكر – ما يجعل الإدارة الوقفية تخسر الكثير من ريعها بسبب هذه العقود، فيتم استغلال هذه العقارات الوقفية من غير المسلمين، علمًا أن بعض هذه الأوقاف في مراكز المدينة، وكان من الممكن أن تشكل ريعًا كبيرًا بسبب موقعها الاستثماري المميز. إن من أهم التحديات التي تواجه التجربة التايلندية هي عدم ضبط الأوقاف، وعدم القدرة على نقل الأعيان، وتسجيلها لصالح المشيخة الإسلامية، أو عدم متابعة إجراءات نقل ملكية الأعيان الموقوفة، أويكون عائدها أقل من النفقات المطلوبة، فتترك الأعيان الموقوفة تحت تصرف ناظريها أو ورثة الواقف، ما أفقد المسلمين الكثير من ريع الأوقاف. ومن العوائق التي نلحظها – في التجربة وتقف دون تطور الإدارة الوقفية – عدم وجود كوادر وقفية مميزة، وعدم وجود قاعدة بيانات مسجلة لحصر جميع أوقاف المسلمين