جمهورية كوسوفو

أولًا) قراءة في التجربة

استقلت جمهورية كوسوفو في 17 فبراير 2008[i]، وهي تضم عقارات وقفية مميزة على مدار التاريخ، ما يجعل من الصعب تقدير أصولها الوقفية بسبب أن جزءًا كبيرًا منها أصبح تراثيًا[ii]. تعود الأوقاف في كوسوفو إلى بداية دخول العثمانيين، فقبل أن يستشهد السلطان مراد الأول بنى مسجدًا لابنه السلطان بايزيد، وأعطاه أرضا للمنشآت المجاورة له، وهذا المسجد هو أول مسجد بُني فـي بلدان البلقان فـي سنة 1389هـ فـي عاصمة كوسوفا حاليا، وهي بريشتينا ومازال هذا المسجد موجودًا، وهو من المساجد النادرة جدا فـي البلقان بطرازه الرائع، المتميز، وكان يتبع لهذا المسجد مرفقات مثل المساكن والحمامات، وبعض المنشآت، حتى أن مقر البرلمان الآن فـي كوسوفا مبني على أرض وقفـية[iii]. ومنذ دخول الإسلام لكوسوفو عام 1389م حتى حرب عام 1998م، كان هناك حوالي 400 مسجد، تم تدمير 218 منها خلال الحرب، لكن سرعان ما استطاع المسلمون إعادة أوقافهم من جديد ومعالجة ما يمكن علاجه، والعمل على إنشاء أوقاف جديدة[iv].

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

تدير المشيخة الإسلامية كل الأوقاف من خلال المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية فـي كوسوفا، وهو المسؤول مباشرة عن الأوقاف[v]. وعمومًا تعتبر الأوقاف الدينية هي الأكثر كالمساجد والمصليات والتكايا والمقابر، فهناك ما يقارب [814] مسجدًا حاليًا، فضلًا عن توفر الأوقاف التعليمية كالمدارس والمؤسسات العلمية والبحثية والمكتبات، مثل كلية الدراسات الإسلامية المؤسسة منذ عام 1992، وتوفر [6 ] مدارس ثانوية تتبع للوقف، موزعة على الأولاد والبنات، بالإضافة لمدارس تحفيظ القرآن الكريم التي تقدر بــ ثلاث مدارس.

كما يوجد مصارف وقفية قديمة عملت في مجال الخدمات العامة كالملاجئ والخانات والحمامات والجسور والآبار وشبكات المياه والنوافير، ومن مظاهر توفر الأوقاف الاستثمارية فيها وجود المحلات التجارية والمنازل المؤجرة، تصل إلى حوالي 600 متجر كأوقاف في كامل إقليم كوسوفو، مع وفرة في العقارات والأراضي[vi]. ومن هذه الأوقاف، حوالي 10% من الأوقاف التي بقيت بعد هذه الحروب، وتدفع منها رواتب الموظفين الذين يصل عددهم إلى 2001 بين أئمة ومؤذنين موزعين على أكثر من 800 مسجد، ويتم منها أيضًا إعادة ترميم الأوقاف، وقد بلغ ريع الوقف حوالي 30% من ميزانية المشيخة الدينية[vii].

ثالثًا) استشراف التجربة

لقد مرت أوقاف كوسوفا بظروف صعبة، أبرزها الاعتداء على أصول الأراضي في كوسوفا من قبل دول مجاورة، وهذا الاعتداء تناول أراض وقفية، فضلًا عن تعرض كوسوفا كباقي دول البلقان إلى حروب وتدمير أثر سلبًا على الأوقاف، ووثائقها وأرشيفها، كإحراقها من قبل الآخرين خلال الحروب التي استمرت في عقد التسعينيات، وفي فقد هذه الحجج والأرشيف الموثقة صار من الصعب استرداد الأصول الكثيرة للأوقاف في مجتمع أغلبه مسلم، وهذا ما جعل من الصعوبة سن قانون لإعادة الممتلكات المؤممة والمصادرة[viii].

وعلى الرغم من هذا، تسعى دائرة الأوقاف لتعزيز الأوقاف الدينية، لا سيما المساجد في توثيقها وتطويرها وتنظيمها، بعد الاعتداءات والحروب التي استهدفت الأوقاف كأصول مالية لغرض استرداد ما يمكن استرداده، وأيضًا بالعمل على حصر الأوقاف، والتي معظمها أراض زراعية، أو في الغابات حيث يتم الاستفادة منها في مجال الخشب لتدفئة المدارس، وغير ذلك[ix]. وتعكس النسب والإحصائيات السابقة أن التجربة الوقفية في كوسوفو تعرف تطورا وإن كان بسيطا، لكنه يعتبر جيدا مع ما تعرضت له من دمار واعتداءات، ومن المتوقع أن المشيخة الإسلامية في كوسوفو سوف تحاول العمل على زيادة الأصول الوقفية وتعزيز إيراداتها.