جنوب إفريقيا

أولًا) قراءة في التجربة

في عام 2019 بلغ عدد سكان جنوب إفريقيا حوالي 58.558.270 نسمة على مساحة تقدر 1.219.090.00 كلم مربع[i]، ويشكل المسلمون ما نسبته 2 أو 3٪ من عدد السكان، أي لا يقلون عن مليون ونصف المليون مسلم. ويعتبر المسلمون فيها أقلية، وقد أسس أول وقف في جنوب إفريقيا من طرف امرأة من أبوين مستعبدين، وحبست أرضًا في كيب تاون، وخصصتها لبناء أول مسجد، وقد مهد هذا الوقف الطريق إلى رفع الحظر عن المسلمين في جنوب إفريقيا للإقبال على بناء المساجد والمدارس، وصار في كل قرية أو بلدة شكل من أشكال الوقف الديني أو التعليمي كمساجد أو مدارس، وهي من أكثر الأوقاف الشائعة في جنوب إفريقيا[ii].

مسجد Auwal أوال هو أول وأقدم مسجد أو وقف ديني في جنوب إفريقيا. بُني عام 1794، على أرض مملوكة لكوريدون فان سيلان، وهو عبد مُحرر. قامت ابنته بالتبرع به لصالح المسلمين لاستخدامه كأول مسجد في جنوب إفريقيا.

وبعد ذلك تم خلق المزيد من الوعي حول الأوقاف في الآونة الأخيرة، مع تشكيل مؤسسة الأوقاف، وهذه المؤسسة تكتسب ريعا، وإن كان ذلك بطيئًا، وينصب تركيزها على تعبئة أموال الوقف من جهة، وعلى تمويل مشاريع التنمية المجتمعية المستدامة من جهة أخرى، وفيما يتعلق بهذا الأخير، فإنه تم تحديد العديد من المجتمعات، وسيفيد التمويل في هذه المناطق البنية التحتية للمساجد والمدارس[iii]. ولا توجد قوانين محددة بشأن الوقف في جنوب إفريقيا، ولا ينص القانون على قانون مراقبة الممتلكات الوقفية، ولكن عمليًا يتم تأسيس الأوقاف على أساس مؤسسات النفع العام، وهذا التسجيل يُعفيها من الضرائب[iv].

ثانيًا) إدارة الأصول الوقفية

قبل أن نحدد حجم الأصول، يمكن أن نقول إن الأوقاف في جنوب أفريقيا تتبع إلى جهتين رئيسيتين، هما جهة عامة، تشرف على أوقاف المسلمين من خلال مؤسسة الأوقاف الوطنية (AWQAF South Africa)، وهي منظمة غير ربحية مسجلة تأسست عام 2001، ولها الصندوق المجتمعي “السيادي” للجالية المسلمة في جنوب إفريقيا، وهي فاعلة كمؤسسة أوقاف خيرية رائدة في المجتمع المدني، وتقدم مبادرات وخدمات ذات قيمة مضافة متطورة لتمكين الأفراد والمجتمعات، كما تعمل على تعزيز الأوقاف بين المسلمين. والجهة الأخرى هي جهة خاصة، وتشمل كل العائلات والأفراد الذين يوقفون أحباسًا ويشرفون عليها مباشرة. توجد عدة قراءات لحجم الّأصول الوقفية في جنوب إفريقيا، ولكن بعد تشكيل مؤسسة الأوقاف، أصبحت هي التي تقوم بإحصاء الأوقاف العامة دون الأوقاف الخاصة. فقد بلغت الأوقاف العقارية العامة في جنوب إفريقيا التي تم حصرها في ما يقارب 5.5 مليون دولار، ولها عوائد تقدر بــ 6% [v]، وبالرجوع إلى الإحصائيات نرى أن غلة الأوقاف في جنوب إفريقيا تتطور من سنة لأخرى، فقد بلغ ريع الوقف في عام 2018 إلى 40 ألف دولار أمريكي، وفي عام 2019 حوالي 70 ألف دولار أمريكي، وفي عام 2020 وصل الريع إلى 80 ألف دولار أمريكي[vi]. أما بالنسبة للأوقاف الخاصة فلم يتم حصرها والكشف عن أصولها حتى الآن، فعلى سبيل المثال من هذه الأوقاف الخاصة، وقف مخصص لمدينة القدس، أسسه رجل الأعمال الواقف أنواه ناجيه رحمه الله تعالى في مدينة كيب تاون، وقيمته السوقية تصل إلى ثلاثة ملايين دولار أمريكي.

ومن النماذج الوقفية القائمة حتى الآن، أوقاف حاج أحمد محمد لقات 1933م، ووقف معهد ووترفال الإسلامي 1934م، ومسجد روستنبرج بلازا 1989م، ومشروع نور الإسلام بلازا المحدودة 1996م، وصندوق جمعة مسجد (غراي ستريت) 1890م، وغيرها[vii]. كما بلغت الأصول والاستثمارات أوقاف جنوب أفريقيا أقل بقليل من علامة 100 مليون راند [حوالي = 6.7391 دولار أمريكي] في نهاية ديسمبر 2020، وتشمل الاستثمارات الممتلكات العاملة وغير العاملة والنقد والأسهم، وتتكون العقارات المدرة للدخل من مكاتب ومراكز تسوق ومباني صناعية[viii]، كما يظهر في الشكل التالي[ix]:

ثالثًا) استشراف التجربة

على الرغم من نشاط الأقلية المسلمة في جنوب أفريقيا، إلا أن التجربة تواجه بعض الصعوبات، من أهمها التمويل المالي للمشاريع الوقفية الاستثمارية، فضلًا عن عدم وجود كوادر بشرية مؤهلة، وقلة التوعية في المجتمع المسلم تجاه الوقف ودوره في خدمة التنمية المجتمعية[x]. لكن ومع هذا، هناك حراك واضح لدى المسلمين في تطوير قطاع الوقف، من خلال مشاريع تحمل سمة التكافل والتعاون بين أبناء المجتمع الإسلامي، كما في مشروع أس آي الذي تأسس في عام 2002 كمشروع يقدم خدمات التأمين الإسلامي[xi]. وتم تأسيس صندوق الوقف من أجل تقديم خدمات التأمين الإسلامي بواسطة أداء مبلغ خمسة آلاف راند نقدًا، وتم تسجيل الوقف تحت قانون (Trust Property Control Act ) المنشور عام 1988م وهذا القانون يعرف فكرة (Trust)، وفي حالة بقاء فائض، فإن القواعد واللوائح تنص على أن الفائض يتم توزيعه على النحو الآتي: 10 % منها للأعمال الخيرية كالصدقات، و15% للاحتياطات، وأكبر نسبة للمشتركين 75%[xii].

وتعتبر مؤسسة الأوقاف الوطنية في جنوب أفريقيا من أنشط مؤسسات الأوقاف في دول وسط وجنوب أفريقيا، فهي لم تحصر عملها في الأوقاف الدينية للمجتمع المسلم في جنوب أفريقيا، وإنما أيضًا أسست أوقافًا ذات ريع دائم، للمساهمة في خدمة احتياجات أبناء المجتمع المسلم، وتسهم أيضًا بعمل حراك واضح للتعريف بالوقف، ومساعدة الدول المجاورة لها في تأسيس وقفيات لصالح المسلمين، كما تعتمد المؤسسة على عمل المتطوعين المسلمين أكثر من تعيين الموظفين المتفرغين