أوقاف المسجد الحرام

اهتم المسلمون بأوقاف الحرمين الشريفين منذ بدايات عصر الرسالة، وتحديدًا في عهد الدولة الأموية، حيث أنشأ الخليفة هشام بن عبد الملك بن مروان ديوانًا خاصًا للحرمين الشريفين، وهذا الديوان كان مؤشرًا على الاهتمام المبكر لعموم المسلمين بالوقف لصالح الحرمين.

وكانت هذه الأوقاف على نوعين، أوقاف يتم تأسيسها داخل مناطق الحرمين الشريفين، وأوقاف يتم تأسيسها في دول العالم الإسلامي، ويتم بعث ريعها خلال زيارة الحرمين الشريفين لا سيما في مواسم الحج والعمرة، وكان من ضمنها كسوة الكعبة التي تصرف من ريع الأوقاف، أو إذا حدث شيء طارئ للمسجد كالحريق الذي أصاب المسجد الحرام سنة (803هــ/1400م).

وقد فاضت هذه الأوقاف من داخل مكة المكرمة تاريخيًا، وتنوعت إلى عدة أنواع، وهي:

  • الأوقاف الذرية، حيث شهدت مكة طيلة التاريخ ممارسة للوقف الذري والعائلي، وتوارثت العائلات هذه الأوقاف، وتم تطويرها، ومن هذا أوقاف الأشراف والسنوسي وكوجك وغيرها.
  • وقف عين زبيدة، والتي استمرت لأكثر من (1200) عام حتى استبدلت بمحطات التحلية الضخمة، وهي عين عذبة الماء، أمرت بها زوجة هارون الرشيد الأميرة زبيدة بنت أبي الفضل جعفر بن أبي جعفر المنصور، [216ه /831م] بعد حجها عام (186ه/802م)ـ، وموقعها من وادي نعمان شرق مكة المكرمة يسار المتّجه من مكة المكرمة إلى الطائف، وعرفت مدى الصعوبات التي تواجه الحجاج من نقص المياه، فقرّرت حفر قنوات مائية تتصل بمساقط المطر، فاشترت جميع الأراضي في الوادي، وأبطلت المزارع والنخيل لصالح توفير الماء فقط للحجاج. والآن تم تسجيل الأراضي الحكومية التي مرت بها مواسير العين للاستفادة منها في صيانة وإدارة المشروع، وتسجيل تلك الأراضي للعين للإفادة منها كدخل ثابت للإنفاق عليها، وتسجيل أراضي ريع كدي المملوكة للحكومة باسم عين زبيدة والعين العزيزية بمكة المكرمة، حيث أن شرط الواقفة رحمها الله هو سقيا مكة المكرمة، من خلال نظام عيون المياه الذي امتاز بالأبعاد البيئية والفنية والصحية والاقتصادية، ويقدر ريع ما هو قائم من أوقافها حاليًا بقيمة (1,621,000) مليون ريال سعودي [432,241.76 دولار أمريكي]، وأن العائد السنوي لثلاثين عقارًا من العقارات التي تخص أوقاف عين زبيدة بعد دخولها في شركة مكة للإنشاء والتعمير بلغت (18.9) مليون ريال سعودي [4,826,666 مليون دولار أمريكي].
  • الأوقاف التعليمية، حيث شهد بيت الله الحرام تجمعات علمية على مدار التاريخ وفي عصور متلاحقة، شكلت الأوقاف الداعم الرئيسي لها، وتأسست على إثرها مؤسسات تعليمية للصرف على المدرسين والطلبة وغيرها من الاحتياجات، مثل مدرسة قايتباي في القرن التاسع الهجري، وهي من أكبر مدارس الحرم، والمدارس الفقهية التي بناها السلطان سليمان القانوني (973ه/1566م)ـ، وكانت نفقاتها تتحصل من الأوقاف المخصصة للحرمين في بلاد المسلمين مثل الشام ومصر والأناضول. والأمر ذاته يُقاس على المكتبات الوقفية التي كانت تنتشر في ربوع مكة المكرمة.
  • الأوقاف العقارية، وهي أوقاف قديمة منذ فجر التاريخ، وهي مخصصة للصرف على الحرمين الشريفين، تم تقديرها قبل عدة سنوات بــ (521) عقارًا تقدر قيمتها بحوالي (78.4) مليون ريال [20,800,000 دولار أمريكي]، وهي كثيرة وكانت في الغالب الأعم مجاورة لبيت الله الحرام، ومع مرور الوقت ولظروف عديدة تغيرت أو تم استبدالها بسبب التوسعة التي لحقت بالحرم، ولكن تم إلحاقها في شركة مكة للإنشاء والتعمير والتي تأسست عام (1409هــ/1989م) برأسمال (1.355) مليون ريال سعودي [حوالي 361 ألف دولار أمريكي]، تشكل الأوقاف الصغيرة وأوقاف عين زبيدة وحوالي 24 عقارًا فيها ما نسبته 12% من رأس المال، وهي تبلغ ما قيمته الآن أكثر من (1.23) مليار ريال سعودي [328 مليون دولار أمريكي].

ولكن عمومًا يمكن التدليل على أبرز – الأوقاف العقارية في مكة – وهو وقف الملك عبد العزيز، ولعله من الأوقاف الكبيرة في العالم الإسلامي المخصصة للحرمين الشريفين، وتم الانتهاء من بناء المشروع رسميًا فـي (20 يناير 2007م)، ويُدار بطريقة استثمارية ومن خلال عقود صكوك الانتفاع، تخول صاحبها الانتفاع من المرافق والغرف خلال فترة محددة من كل عام، حيث يبلغ رأسمالها (7.5) مليارات ريال سعودي [ملياري دولار] ، ويتكون الوقف من (7) أبراج عملاقة متلاصقة، بارتفاعات مختلفة، بمجموع (282) دارًا، تحوي (10970) وحدة سكنية، وتستوعب ما يقارب (65.000) زائراً، ومساحة المشروع مليون و500 ألف متر مربع، واستثماراته تتجاوز ملياري دولار.

وحسب دراسة، فإن الأوقاف العامة التي تشرف عليها جهات غير الهيئة العامة للأوقاف تقدر بــ (40) مليار ريال [10,666 مليار دولار أمريكي]، من هذه الأصول ما يقارب (80%) عبارة عن عقارات ومبان ومنشآت تقع في مكة المكرمة والمدينة المنورة.  وهناك شراكة استراتيجية ما بين الهيئة العامة للأوقاف والرئاسة العامة لشؤون الحرمين لتطوير بعض المشاريع داخل الحرمين، فقد تم رصد مبلغ 200 مليون ريال سعودي [حوالي 53 مليون دولار أمريكي] لها في عام (2019م).